الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن حفظ الصحة { أنه عليه السلام كان أحب الشراب إليه الحلو البارد } قالته عائشة رواه ابن عيينة عن معمر عن الزهري عن عروة عنها رواه الترمذي والنسائي .

وروى ابن المبارك وعبد الرزاق عن معمر ويونس عن الزهري { : أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : أي الشراب أطيب ؟ قال : الحلو البارد . } قال الترمذي : وهذا أصح . وهذا من ألذ شيء وأنفعه ; لأن الماء البارد رطب ، رطوبته في الدرجة الرابعة ، وشربه بعد الطعام يقوي المعدة ، وينهض الشهوة ، ويجزئ قليله ، ويخلف على البدن ما تحلل من رطوباته ، ويرفق الغذاء ويسرع نفوذه وإيصاله إلى الأعضاء ، لكن الإكثار منه يورث هزالا . يقال : هزل لحمه بكسر الزاي أي : اضطرب واسترخى

، ويحدث كرازا وسباتا ورعشة ونسيانا فيقتصر على أكثر ما يروي ، وقيل على نصفه . والماء رديء للقروح ولا ينبغي أن يعطش ، فإنه يوهن الشهوة والقوة ، ويجفف ، ويظلم البصر . والصحيح عند الأطباء أنه لا يغذي ; لأنه لا ينمي الأعضاء ولا يخلف عليها بدل ما حللته الحرارة كالطعام ، ولا يكتفى به بدل الطعام وقال بعضهم : يغذي البدن .

وفي الصحيحين { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر عن زمزم إنها مباركة [ ص: 382 ] إنها طعام طعم } ورواه أبو داود الطيالسي وغيره بإسناد مسلم ، وزادوا فيه { : وشفاء سقم } أي : تشبع شاربها كالطعام .

وما سبق من نفع الماء البارد فلا يلزم منه عموم الأشخاص والأحوال فإن من ضعف عصبه ، أو معدته وكبده باردتان لا ينبغي له شرب ماء الثلج ، وكذا المشايخ ومن يتولد فيهم الأخلاط الباردة ، ويهيج السعال ، وذلك معلوم بالتجربة وقد ذكره الأطباء وحذروا منه في أمراض كوجع المفاصل . وقول بعض الأطباء : الثلج حار غليظ وهو يهيج الحرارة ; فلذلك يعطش لا أنه حار في نفسه ، وتولد الحيوان فيه لا يدل على حرارته كتولده في خل وفاكهة باردة .

وفي الصحيحين عنه عليه السلام أنه قال : { اللهم اغسلني من خطاياي بماء الثلج والبرد } وإنما سأل ذلك ; لأن الخطايا تضعف القلب وتكسيه حرارة ، وهذا الماء يقويه ويصلبه ويطهره ويبرده . ولا يتناول باردا بعد حار ولا عكسه ، فإنه من حفظ صحة الأسنان وقوتها وذلك معلوم .

ومنه ترك كسر الأشياء الصلبة بها ومضغ الأشياء العلكة كالحلو والتمر والمحذرة كالثلج والمضرسة كالحوامض ، وكثرة القيء يفسدها . وإذا توجع السن من مس شيء بارد فليعض على خبز حار ونحوه ، وإذا كان وجع السن من حرارة سكن من بارد ، ويفيد في وجعها المضمضة بحامض ومضغ الطرخون والغذاء حموضات ، ويمسك في الفم آس رطب أو ورق زيتون غض أو خل طبخ فيه جوز السرو .

وقال بعضهم : أو طبخ فيه عفص . هذا إذا كان من بخار الدم : فإن كان من بخار البلغم أمسك في الفم دهنا مسخنا ويدلك السن بالفلفل والثوم ونحوه .

قال ثابت الطبيب : أجمع الأوائل أنه لا يدخل الفم في علاج الأسنان خير من الخل والملح ; لأنهما يسكنان الوجع ويخففان البلمة الزائدة ويستعمل في الحارة الخل وحده وسواد الأسنان لرداءة ما يتغدى به فيدلك بالفلفل [ ص: 383 ] ونحوه ويزول الضرس بمضغ البقلة الحمقاء وهي الفرفحين أو اللوز ، ويمسك دهن اللوز مفترا في الفم والعلك ، والشمع والزفت إذا مضغ .

والسواك ومنافعه ، وما يطيب النكهة ويمنع ارتقاء البخار مذكور في باب السواك من الفقه ، وإن وضعت اليدان أو الرجلان التي تثلجت وتفتحت على البلاط الشديد الحرارة في الحمام وصبر على ذلك مرارا ، فإنه يبرأ منه ، والتثلج الذي لم ينفتح يؤخذ قليل فلفل فيسحق ناعما ويغلى في الزيت ثم يدهن به التثلج قبل فتحه بكرة وعشية فإنه يزول ولا يفتح ، وأما الماء الفاتر والحار ففعله عكس فعل الماء البارد . لكن إذا شرب على الريق ماء حارا غسل المعدة من فضول الغذاء المتقدم وربما أطلق ، والسرف في استعماله يوهن المعدة ، وأما إذا خالط الماء البارد ما يحليه فإنه يوصل الغذاء إلى سائر الأعضاء ويغذي البدن ويسخنه وينشر حرارته الغريزية إلى سائره ويجود الهضم . والماء البارد بعضه أنفع .

ولهذا روى البخاري عن جابر { : أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من الأنصار ومعه صاحب له فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إن كان عندك ماء بات في هذه الليلة في شنة وإلا كرعنا . }

وفي مسلم { : أن عائشة سئلت عن النبيذ فدعت جارية حبشية فقالت : سل هذه فإنها كانت تنبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت الحبشية : كنت أنبذ له في سقاء من الليل وأوكيه وأعلقه ، فإذا أصبح شرب منه } وإنما كان ذلك والله أعلم ; لأنه ألذ وأنقع لصفائه وبرودته ; لأنه يركد ويرشح الماء من مسامها المتفتحة فيها .

وفي الخبر جواز الكرع وهو الشرب بالفم من حوض ونحوه وترجم البخاري أيضا باب الكرع في الحوض . [ ص: 384 ]

قال أبو داود باب الكرع : وهذه قضية عين يجوز أن يكون الحوض مرتفعا فيجلس على شيء ويكرع منه ، أو يكرع منه قائما فلا يلزم أن يكون متكئا ولا غير منتصب ، وإن ثبت هذا فقد بين الجواز به وسيأتي في أثناء فصول آداب الأكل أنه عليه السلام شرب خالصا ومشوبا وفي ذلك حفظ الصحة لا سيما في البلاد الحارة ; لأنه يرطب البدن ويروي الكبد لا سيما لبن الدواب التي ترعى الشيح وغيره فإن لبنها شراب وغذاء ودواء ويشهد لذلك حديث ابن عباس الآتي فيما يقوله بعد الأكل والشرب .

وقال أحمد : ثنا عبد الرحمن ثنا سفيان عن يزيد بن أبي خالد عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء ، فعليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل الشجر . } طارق له رؤية ويزيد هو أبو خالد الدالاني قال ابن معين والنسائي : ليس به بأس . ووثقه أبو حاتم وقال : ابن عدي في حديثه لين ولا يكتب حديثه .

وقال الحاكم أبو أحمد : لا يتابع في بعض حديثه .

ورواه النسائي عن عبيد بن فضالة عن محمد بن يوسف عن سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن ابن مسعود مرفوعا . وعن ابن مثنى عن عبد الرحمن كما سبق وعن إبراهيم بن الحسن عن حجاج بن محمد عن شعبة عن الربيع بن لوط عن قيس بن أسلم عن طارق عن ابن مسعود نقصه اللين . قوله : وعن محمد بن المثنى به وعن إسحاق بن إبراهيم عن جرير عن أيوب الطائي عن قيس بن مسلم عن طارق به مرسلا وعن زيد بن أخزم عن أبي زيد عن شعبة عن الركين بن الربيع عن قيس بن مسلم عن طارق عن عبد الله مرفوعا : { ألبان البقر شفاء } ورواه النسائي من طريقين عن قيس بن أسلم بإسناد مرفوعا .

وروى ابن جرير الطبري عن أحمد بن الحسن الترمذي عن محمد بن موسى الشيباني عن رفاعة بن دغفل السدوسي عن عبد الحميد بن صيفي بن صهيب [ ص: 385 ] عن أبيه عن جده مرفوعا : { عليكم بألبان البقر شفاء وسمنها دواء ، ولحومها داء } . رفاع ضعفه أبو حاتم ووثقه ابن حبان . ومحمد بن موسى هو ابن بزيغ الجريري لم أجد له ترجمة في ثقات ولا ضعفاء ويخطر على بالي أن العقيلي قال : لا يتابع على حديثه وباقي الإسناد حسن ، وليس هذا الخبر بذاك الضعيف الواهي ، وقد ذكر بعضهم أن هذا الإسناد لا يثبت ، كذا قال وفيه نظر والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية