الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه .

                                                                                                                                                                                                                                      اعلم : أن التحقيق على مذهب الجمهور : أن هذه الآية الكريمة التي هي قوله - جل وعلا - : ومن ثمرات النخيل والأعناب [ 16 \ 67 ] منسوخة بآية " المائدة " المذكورة . فما جزم به صاحب مراقي السعود فيه وفي شرحه ( نشر البنود ) من أن تحريم الخمر ليس نسخا لإباحتها الأولى ; بناء على أن إباحتها الأولى إباحة عقلية ، والإباحة العقلية هي البراءة الأصلية ، وهي بعينها استصحاب العدم الأصلي ، وهي ليست من الأحكام الشرعية ; فرفعها ليس بنسخ . وقد بين في المراقي : أنها ليست من الأحكام الشرعية بقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      وما من البراءة الأصلية قد أخذت فليست الشرعية



                                                                                                                                                                                                                                      وقال أيضا في إباحة الخمر قبل التحريم :


                                                                                                                                                                                                                                      أباحها في أول الإسلام     براءة ليست من الأحكام



                                                                                                                                                                                                                                      كل ذلك ليس بظاهر ، بل غير صحيح ; لأن إباحة الخمر قبل التحريم دلت عليها هذه الآية الكريمة ، التي هي قوله : ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا الآية [ 16 \ 67 ] ، وما دلت على إباحته آية من كتاب الله لا يصح أن يقال : إن إباحته عقلية ، بل هي إباحة شرعية منصوصة في كتاب الله ، فرفعها نسخ . نعم ! على القول بأن معنى السكر في الآية : الخل أو الطعم أو العصير ; فتحريم الخمر ليس نسخا لإباحتها ، وإباحتها الأولى : عقلية . وقد بينا هذا المبحث في كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب عن آيات [ ص: 407 ] الكتاب ) .

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قيل : الآية واردة بصيغة الخبر ، والأخبار لا يدخلها النسخ كما تقرر في الأصول :

                                                                                                                                                                                                                                      فالجواب : أن النسخ وارد على ما يفهم من الآية من إباحة الخمر . الإباحة حكم شرعي كسائر الأحكام قابل للنسخ ; فليس النسخ واردا على نفس الخبر ، بل على الإباحة المفهومة من الخبر ; كما حققه ابن العربي المالكي وغيره .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : ورزقا حسنا [ 16 \ 67 ] ، أي : التمر ، والرطب ، والعنب ، والزبيب ، والعصير ، ونحو ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية