الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 256 ] وخيار الشرط لا يورث ; ومن اشترى عبدا على أنه خباز فكان بخلافه ، فإن شاء أخذه بجميع الثمن ، وإن شاء رده; وخيار البائع لا يخرج المبيع عن ملكه ، وخيار المشتري يخرجه ولا يدخله في ملكه ( سم ) ومن شرط الخيار لغيره جاز ( ز ) ويثبت لهما ، وأيهما أجاز جاز وأيهما فسخ انفسخ ، ويسقط الخيار بمضي المدة ، وبكل ما يدل على الرضا كالركوب والوطء والعتق ونحوه .

[ ص: 256 ]

التالي السابق


[ ص: 256 ] قال : ( وخيار الشرط لا يورث ) لأنه مشيئة وترو ، وذلك لا يتصور فيه الإرث لأنه لا يقبل الانتقال . أما خيار العيب فلأن المشتري استحق المبيع سليما فينتقل إلى وارثه كذلك . وأما خيار التعيين فإنه ثبت له ابتداء لاختلاط ملك المورث بملك الغير .

قال : ( ومن اشترى عبدا على أنه خباز فكان بخلافه ، فإن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء رده ) لأن هذا وصف والأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن فيأخذه بجميع الثمن ، إلا أنه فاته وصف مرغوب فيه مستحق بالعقد ، فبفواته يثبت له الخيار لأنه ما رضي بدونه كوصف السلامة ، وعلى هذا اشتراط سائر الحرف .

قال : ( وخيار البائع لا يخرج المبيع عن ملكه ، وخيار المشتري يخرجه ولا يدخله في ملكه ) اعلم أن البيع بشرط الخيار لا ينعقد في حق حكمه وهو ثبوت الملك ، بل يتوقف ثبوت حكمه على سقوط الخيار ؛ لأنه بالخيار استثني مباشرة العقد في حق الحكم فامتنع حكمه إلى أن يسقط الخيار ، ثم الخيار إما أن يكون للبائع أو للمشتري أو لهما ، فإن كان للبائع فلا يخرج المبيع عن ملكه لأنه إنما يخرج بالمراضاة ، ولا رضا مع الخيار حتى نفذ إعتاق البائع ، وليس للمشتري التصرف فيه ، ولو قبضه المشتري وهلك في يده في مدة الخيار فعليه قيمته لأنه لم ينفذ البيع ، ولا نفاذ للتصرف بدون الملك ، فصار كالمقبوض على سوم الشراء وفيه القيمة ، ولو هلك في يد البائع لا شيء على المشتري كالصحيح ، ويخرج الثمن من ملك المشتري بالإجماع ، ولا يدخل في ملك البائع عند أبي حنيفة خلافا لهما ، وإن كان الخيار للمشتري يخرج المبيع عن ملك البائع ، لأن البيع لزم من جانبه ، ولا يدخل في ملك المشتري عند أبي حنيفة ، وعندهما يدخل ، والثمن لا يخرج من ملك المشتري بالإجماع ، ولا يملك البائع مطالبته قبل الثلاث . وجه قولهما في الخلافيات أنه لما خرج المبيع عن ملك البائع وجب أن يدخل في ملك المشتري لئلا يصير سائبة بغير مالك ولا نظير له في الشرع .

ولأبي حنيفة أن الخيار شرع للتروي ، فلو دخل في ملكه ربما فات ذلك بأن كان قريبا له فيعتق عليه ، ولأن الثمن لم يخرج عن ملكه ، فلو دخل المبيع في ملكه اجتمع البدلان في ملك واحد ولا نظير له في الشرع ، وقضية المعاوضة المساواة ، ودخوله في ملكه ينفيها ، وإن هلك في يد المشتري هلك بالثمن ، وكذلك إن دخلها عيب لأن بالعيب يمتنع الرد ، والهلاك لا يخلو عن [ ص: 257 ] مقدمة عيب ، فيهلك بعد انبرام العقد فيلزمه الثمن ، ويعرف من هذين الفصلين الحكم فيما إذا كان الخيار لهما لمن يتأمله إن شاء الله تعالى .

وثمرة الخلاف تظهر في مسائل : منها لو كان المشترى قريبا له لم يعتق عنده ، ولو كانت زوجته لم ينفسخ النكاح خلافا لهما فيهما ، وإن وطئها لا يبطل خياره ؛ لأنه وطئها بحكم النكاح ، إلا أن تكون بكرا أو نقصها الوطء ، وعندهما يبطل النكاح ؛ لأنه وطئها بملك اليمين ، ولو كانت جارية قد ولدت منه لا تصير أم ولد له عنده خلافا لهما ، ولو حاضت عنده في مدة الخيار ثم أجاز البيع لا يجتزئ بتلك الحيضة عن الاستبراء عنده ، ولو ردها لا يجب على البائع الاستبراء عنده خلافا لهما فيهما ، ويبتنى على هذا الأصل مسائل كثيرة يعرفها من أتقن هذه الأصول .

قال : ( ومن شرط الخيار لغيره جاز ويثبت لهما ) والقياس أن لا يجوز وهو قول زفر لأنه موجب العقد ، فلا يجوز اشتراطه لغير العاقد كالثمن . وجه الاستحسان أنه يثبت له ابتداء ثم للغير نيابة تصحيحا لتصرفه .

( وأيهما أجاز جاز ، وأيهما فسخ انفسخ ) فإن أجاز أحدهما وفسخ الآخر فالحكم للأسبق ، وإن تكلما معا فالحكم للفسخ ، لأن الخيار شرع للفسخ فهو تصرف فيما شرع لأجله فكان أولى ، وقيل تصرف المالك أولى كالموكل .

قال : ( ويسقط الخيار بمضي المدة وبكل ما يدل على الرضا كالركوب والوطء والعتق ونحوه ) .

اعلم أن الخيار يسقط بثلاثة أشياء : أحدها الإسقاط صريحا كقوله : أسقطت الخيار أو أبطلته ، أو أجزت البيع ، أو رضيت به وما شابهه لأنه تصريح بالرضى فيبطل الخيار .

الثاني الإسقاط دلالة ، وهو كل فعل يوجد ممن له الخيار لا يحل لغير المالك لأنه رضي بالملك ، وذلك مثل الوطء واللمس والقبلة والنظر إلى الفرج بشهوة ، وإن فعله بغير شهوة لا يكون رضى ، وكذلك النظر إلى سائر أعضائها ؛ لأنه يحتاج إليه للمعالجة وليعرف لينها وخشونتها ، ولو فعل البائع ذلك فهو فسخ لأنه لا يحتاج إلى ذلك ، وكذلك الركوب لا يجوز لغير المالك ، فإن [ ص: 258 ] ركبها ليردها أو ليسقيها أو ليشتري لها علفا فهو على خياره ، وكذلك إذا سكن الدار أو أسكنها لدليل الرضى ، ولو ركب أو لبس أو استخدم فهو على خياره لحاجته إلى ذلك للاختبار ، ولو أعاد ذلك بطل خياره لعدم حاجته إليه إلا في العبد إذا استخدمه في حاجة أخرى لما بينا ، وكذلك كل فعل لا يثبت حكمه في غير الملك كالعتق والتدبير والكتابة والبيع والإجارة والهبة مع القبض والرهن; والعرض على البيع من هذا القبيل ، لأن كل ذلك يدل على الرضا بالملك .

والثالث سقوط الخيار بطريق الضرورة كمضي مدة الخيار وموت من له الخيار ، فإن الخيار كان لهما فماتا تم العقد ، وإن مات أحدهما فالآخر على خياره ، ولو أغمي عليه أو جن أو نام أو سكر بحيث لا يعلم حتى مضت المدة الصحيح أنه يسقط الخيار ، ولو داوى العبد ، أو عالج الدابة ، أو عمر في الساحة ، أو رم شعث الدار ، أو لقح النخيل ، أو حلب البقرة بطل ، لأن هذه التصرفات من خصائص الملك .




الخدمات العلمية