الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولقد مكناهم أي قررنا عادا وأقدرناهم، و (ما) في قوله تعالى: فيما إن مكناكم فيه موصولة أو موصولة ( وإن ) نافية أي في الذي أو في شيء ما مكناكم فيه من السعة والبسطة وطول الأعمار وسائر مبادي التصرفات كما في قوله تعالى: كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم ولم يكن النفي بلفظ ( ما ) كراهة لتكرير اللفظ وإن اختلف المعنى، ولذا قال من ذهب إلى أن أصل مهما ما ما على أن ما الشرطية مكررة للتأكيد قلبت الألف الأولى هاء فرارا من كراهة التكرار، وعابوا على المتنبي قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      لعمرك ما ما بان منك لضارب بأقتل مما بان منك لعائب



                                                                                                                                                                                                                                      أي ما الذي بان إلخ، يريد لسانه لا يتقاعد عن سنانه هذا للعائب وذلك للضارب، وكان يسعه أن يقول: إن ما بان، وإدخال الباء للنفي لا للعمل على أن إعمال إن قد جاء عن المبرد ، وقيل: (إن) شرطية محذوفة [ ص: 28 ] الجواب والتقدير إن مكناكم فيه طغيتم، وقيل: إنها صلة بعد ما الموصولة تشبيها بما النافية وما التوقيتية، فهي في الآية مثلها في قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      يرجي المرء ما أن لا يراه     وتعرض دون أدناه الخطوب



                                                                                                                                                                                                                                      أي مكناهم في مثل الذي مكناكم فيه، وكونها نافية هو الوجه لأن القرآن العظيم يدل عليه في مواضع وهو أبلغ في التوبيخ وأدخل في الحث على الاعتبار وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة ليستعملوها فيما خلقت له ويعرفوا بكل منها ما نيطت به معرفته من فنون النعم ويستدلوا بها على شؤون منعمها عز وجل ويداوموا على شكره جل شأنه فما أغنى عنهم سمعهم حيث لم يستعملوه في استماع الوحي ومواعظ الرسل ولا أبصارهم حيث لم يجتلوا بها الآيات التكوينية المرسومة في صحائف العالم ولا أفئدتهم حيث لم يستعملوها في معرفة الله تعالى من شيء أي شيئا من الإغناء، ( ومن ) مزيدة للتوكيد والتنوين للتقليل.

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز أن تكون تبعيضية أي ما أغنى بعض الإغناء وهو القليل، و (ما) في فما أغنى نافية وجوز كونها استفهامية. وتعقبه أبو حيان بأنه يلزم عليه زيادة ( من ) في الواجب وهو لا يجوز على الصحيح. ورد بأنهم قالوا: تزاد في غير الموجب وفسروه بالنفي والنهي والاستفهام، وإفراد السمع في النظم الجليل وجمع غيره لاتحاد المدرك به وهو الأصوات وتعدد مدركات غيره أو لأنه في الأصل مصدر، وأيضا مسموعهم من الرسل متحد. إذ كانوا يجحدون بآيات الله ظرف متعلق بالنفي الصريح أو الضمني في قوله تعالى: فما أغنى وهو ظرف أريد به التعليل كناية أو مجازا لاستواء مؤدى الظرف والتعليل في قولك: ضربته لإساءته وضربته إذ أساء لأنك إنما ضربته في ذلك الوقت لوجود الإساءة فيه، وهذا مما غلب في إذ وحيث من بين سائر الظروف حتى كاد يلحق بمعانيهما الوضعية وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون من العذاب الذي كانوا يستعجلونه بطريق الاستهزاء ويقولون: فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية