الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا



                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 332 ] قوله عز وجل: أما السفينة فكانت لمساكين وفي تسميتهم مساكين أربعة أوجه: أحدها: لفقرهم وحاجتهم.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: لشدة ما يعانونه في البحر ، كما يقال لمن عانى شدة قد لقي هذا المسكين جهدا.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: لزمانة كانت بهم وعلل.

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: لقلة حيلتهم وعجزهم عن الدفع عن أنفسهم ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مسكين رجل لا امرأة له) فسماه مسكينا لقلة حيلته وعجزه عن القيام بنفسه لا لفقره ومسكنته. وقرأ بعض أئمة القراء (لمساكين) بتشديد السين ، والمساكون هم الممسكون ، وفي تأويل ذلك وجهان: أحدهما: لممسكون لسفينتهم للعمل فيها بأنفسهم.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: الممسكون لأموالهم شحا فلا ينفقونها. فأردت أن أعيبها أي أن أحدث فيها عيبا. وكان وراءهم ملك في قوله وراءهم ملك وجهان: أحدهما: أنه خلفهم ، وكان رجوعهم عليه ولم يعلموا به ، قاله الزجاج.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنه كان أمامهم. وكان ابن عباس يقرأ: وكان أمامهم ملك واختلف أهل العربية في استعمال وراء موضع أمام على ثلاثة أقاويل: أحدها: يجوز استعماله بكل حال وفي كل مكان وهو من الأضداد ، قال الله تعالى: من ورائهم جهنم أي من أمامهم وقدامهم جهنم قال الشاعر:

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 333 ]

                                                                                                                                                                                                                                        أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي وقومي تميم والفلاة ورائيا



                                                                                                                                                                                                                                        يعني أمامي.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أن وراء يجوز أن يستعمل في موضع أمام في المواقيت والأزمان لأن الإنسان قد يجوزها فتصير وراءه ولا يجوز في غيرها.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أنه يجوز في الأجسام التي لا وجه لها كحجرين متقابلين كل واحد منهما وراء الآخر ، ولا يجوز في غيره قاله ابن عيسى. يأخذ كل سفينة غصبا قرأ ابن مسعود: يأخذ كل سفينة صالحة غصبا. وهكذا كان الملك يأخذ كل سفينة جيدة غصبا ، فلذلك عابها الخضر لتسلم من الملك. وقيل إن اسم الملك هدد بن بدد ، وقال مقاتل: كان اسمه مندلة بن جلندى بن سعد الأزدي.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية