الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              1931 باب في قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب بيان نسخ قول الله تعالى:

                                                                                                                              وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 20 ج 8 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، لما نزلت هذه الآية وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين كان من أراد أن يفطر ويفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها ).

                                                                                                                              [ ص: 101 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 101 ] (الشرح)

                                                                                                                              وأخرج أحمد، وأبو داود، عن معاذ نحوه. وفيه: ( ثم أنزل الله تعالى: فمن شهد منكم الشهر فليصمه .

                                                                                                                              وفي حديث آخر: عن سلمة بن الأكوع، عند مسلم: ( قال: كنا في رمضان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من شاء صام، ومن شاء أفطر فافتدى بطعام مسكين، حتى أنزلت هذه الآية: فمن شهد منكم الشهر فليصمه .

                                                                                                                              قال عياض : اختلف السلف في الأولى، هل هي محكمة ؟ أو مخصوصة ؟ أو منسوخة كلها ؟ أو بعضها ؟

                                                                                                                              فقال الجمهور: منسوخة، كقول سلمة. ثم اختلفوا ؛ هل بقي منها ما لم ينسخ ؟

                                                                                                                              فروي عن ابن عمر والجمهور: أن حكم الإطعام باق على من لم يطق الصوم لكبر.

                                                                                                                              وقال جماعة من السلف، ومالك، وأبو ثور، وداود: جميع الإطعام منسوخ. وليس على الكبير إذا لم يطق الصوم إطعام.

                                                                                                                              واستحبه مالك.

                                                                                                                              وقال قتادة: كانت الرخصة لكبير يقدر على الصوم، ثم نسخ فيه، وبقي فيمن لا يطيق.

                                                                                                                              [ ص: 102 ] وقال ابن عباس وغيره: نزلت في الكبير والمريض اللذين لا يقدران على الصوم، فهي عنده محكمة.

                                                                                                                              لكن المريض يقضي إذا برئ.

                                                                                                                              وأكثر العلماء على أنه: لا إطعام على المريض.

                                                                                                                              وقال زيد بن أسلم، والزهري، ومالك: هي محكمة. ونزلت في المريض يفطر ثم يبرأ، ولا يقضي حتى يدخل رمضان آخر، فيلزمه صومه. ثم يقضي بعده ما أفطر. ويطعم عن كل يوم: ( مدا ) من حنطة.

                                                                                                                              وأما من اتصل مرضه برمضان الثاني، فليس عليه إطعام. بل عليه ( القضاء ) فقط.

                                                                                                                              وقال الحسن البصري وغيره: الضمير في ( يطيقونه ): عائد على الإطعام لا على الصوم. ثم نسخ ذلك. فهي عنده عامة.

                                                                                                                              ثم جمهور العلماء على أن الإطعام عن كل يوم: (مد ). وقال أبو حنيفة: ( مدان ). ووافقه صاحباه.

                                                                                                                              وقال أشهب المالكي: (مد وثلث ) لغير أهل المدينة.

                                                                                                                              ثم جمهور العلماء على أن المرض المبيح للفطر: هو ما يشق معه الصوم. وأباحه بعضهم لكل مريض.

                                                                                                                              هذا آخر كلام القاضي.

                                                                                                                              [ ص: 103 ] وفي ( السيل الجرار ): أثبت الله سبحانه صيام رمضان، على المقيم الصحيح، ورخص فيه للمريض والمسافر.

                                                                                                                              وثبت الإطعام للكبير، الذي لا يستطيع الصيام.

                                                                                                                              فثبت بهذا ؛ أن الآية كانت للتخيير بين الصوم والفدية، لكل الناس.

                                                                                                                              ثم نسخت، وبقي الترخيص للشيخ الكبير، الذي لا يستطيع الصيام.

                                                                                                                              وتجب عليه ( الفدية ).

                                                                                                                              ولا يخالف هذا ما روي عن ابن عباس ؛ أنها ليست بمنسوخة. . إلخ.

                                                                                                                              أخرجه عنه البخاري ؛

                                                                                                                              لأنه قد جعلها للشيخ الكبير، والشيخة الكبيرة.

                                                                                                                              قال: وأخرج الدارقطني، والحاكم وصححه، عن ابن عباس أنه قال: ( رخص للشيخ الكبير: أن يفطر ويطعم كل يوم مسكينا ).

                                                                                                                              فلا وجه لقول من قال: إن الكبير الذي لا يقدر على الصوم لا فدية عليه. انتهى.

                                                                                                                              وكلامه في (وبل الغمام ) هكذا: لم يثبت في الكفارة على من لم يطق الصوم شيء من المرفوع في شيء من كتب الحديث.

                                                                                                                              وليس في الكتاب العزيز ما يدل على ذلك. لأن الآية إن كانت منسوخة، كما ثبت عن ( سلمة بن الأكوع ) عند أهل الأمهات كلهم: أنها كانت في أول الإسلام، فكان من أراد أن يفطر يفتدي، حتى نسختها الآية [ ص: 104 ] التي بعدها. وهي قوله تعالى: فمن شهد منكم الشهر فليصمه ).

                                                                                                                              ومثل ذلك روي عن معاذ بن جبل. أخرجه أحمد وأبو داود ؛

                                                                                                                              ومثله عن ابن عمر. أخرجه البخاري.

                                                                                                                              فالمنسوخ ليس بحجة، بلا خلاف.

                                                                                                                              وإن كانت (محكمة )، كما رواه أبو داود عن ابن عباس، فظاهرها: جواز ترك الصوم لمن كان مطيقا غير معذور، ووجوب الفدية عليه.

                                                                                                                              وهو خلاف ما أجمع عليه المسلمون.

                                                                                                                              وأما قول ابن عباس المتقدم، وكذا ما رواه عنه أبو داود: ( أنها أثبتت للحبلى والمرضع ): فإنه يدل على أنها منسوخة فيما عداهما.

                                                                                                                              فعلى كل حال: ليس في الآية دليل على وجوب الإطعام، على من ترك الصوم وهو لا يطيقه. وهو محل النزاع.

                                                                                                                              وإذا لم يوجد دليل في كتاب الله، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فليس في غيرهما أيضا ما يدل على ذلك.

                                                                                                                              والحق: عدم وجوب الإطعام.

                                                                                                                              وقد ذهب إليه جماعة من السلف. منهم مالك، وأبو ثور، وداود.

                                                                                                                              وهكذا: لا فدية على من حال عليه رمضان، وعليه رمضان أو بعضه ولم يقضه، لأنه لم يثبت في ذلك شيء صح رفعه، ولا تعبد الله بها أحدا من عباده.

                                                                                                                              [ ص: 105 ] والبراءة الأصلية مستصحبة، فلا ينقل عنها إلا ناقل صحيح. وقد ذهب إلى هذا: النخعي، وأبو حنيفة، وأصحابه.




                                                                                                                              الخدمات العلمية