الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      قال معاوية بن يحيى : حدثنا أرطاة قال : قيل لعمر بن عبد العزيز : لو جعلت على طعامك أمينا لا تغتال ، وحرسيا إذا صليت ، وتنح عن الطاعون .

                                                                                      قال : اللهم إن كنت تعلم أني أخاف يوما دون يوم القيامة فلا تؤمن خوفي .

                                                                                      قال علي بن أبي حملة ، عن الوليد بن هشام قال : لقيني يهودي فقال : إن عمر بن عبد العزيز سيلي ، ثم لقيني آخر ولاية عمر فقال : إن صاحبك قد سقي ، فمره فليتدارك نفسه ، فأعلمت عمر ، فقال : قاتله الله ما أعلمه ، لقد علمت الساعة التي سقيت فيها ، ولو كان شفائي أن أمسح شحمة أذني ما فعلت . وقد رواها أبو عمير بن النحاس ، عن ضمرة ، عنه ، فقال : عن [ ص: 140 ] عمرو بن مهاجر بدل الوليد .

                                                                                      مروان بن معاوية ، عن معروف بن مشكان ، عن مجاهد : قال لي عمر بن عبد العزيز : ما يقول في الناس ؟ قلت : يقولون : مسحور ، قال : ما أنا بمسحور ، ثم دعا غلاما له فقال : ويحك ! ما حملك على أن سقيتني السم ؟ .

                                                                                      قال : ألف دينار أعطيتها ، وعلى أن أعتق ، قال هاتها ، فجاء بها ، فألقاها في بيت المال ، وقال : اذهب حيث لا يراك أحد .

                                                                                      إسماعيل بن عياش ، عن عمرو بن مهاجر قال : اشتهى عمر بن عبد العزيز تفاحا ، فأهدى له رجل من أهل بيته تفاحا ، فقال : ما أطيب ريحه وأحسنه ! وقال : ارفعه يا غلام للذي أتى به ، وأقر مولاك السلام ، وقل له : إن هديتك وقعت عندنا بحيث تحب ، فقلت : يا أمير المؤمنين ! ابن عمك ، ورجل من أهل بيتك ، وقد بلغك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأكل الهدية ، قال : ويحك ! إن الهدية كانت له هدية ، وهي اليوم لنا رشوة .

                                                                                      قال ابن عيينة : قلت لعبد العزيز بن عمر : ما آخر ما تكلم به أبوك ؟ فقال : كان له من الولد أنا وعبد الله ، وعاصم وإبراهيم ، وكنا أغيلمة ، فجئنا كالمسلمين عليه والمودعين له ، فقيل له : تركت ولدك ليس لهم مال ، ولم تئوهم إلى أحد ، فقال : ما كنت لأعطيهم ما ليس لهم ، وما كنت لآخذ منهم حقا هو لهم ، وإن وليي الله فيهم الذي يتولى الصالحين ، إنما هم أحد [ ص: 141 ] رجلين : صالح أو فاسق . وقيل : إن الذي كلمه فيهم خالهم مسلمة .

                                                                                      وروى حماد بن زيد ، عن أيوب قال : قيل لعمر بن عبد العزيز : يا أمير المؤمنين ! لو أتيت المدينة ، فإن قضى الله موتا ، دفنت في موضع القبر الرابع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : والله لأن يعذبني الله بغير النار أحب إلي من أن يعلم من قلبي أني أراني لذلك أهلا .

                                                                                      وروى ابن شوذب ، عن مطر مثله .

                                                                                      وعن ليث بن أبي رقية أن عمر بن عبد العزيز قال : أجلسوني ، فأجلسوه ، فقال : أنا الذي أمرتني فقصرت ، ونهيتني فعصيت ، ثلاثا ، ولكن لا إله إلا الله ، ثم أحد النظر ، وقال : إني لأرى خضرة ما هم بإنس ولا جن ، ثم قبض . وروى نحوها أبو يعقوب الخطابي ، عن السري بن عبيد الله .

                                                                                      وقال المغيرة بن حكيم : قلت لفاطمة بنت عبد الملك : كنت أسمع عمر بن عبد العزيز في مرضه يقول : اللهم أخف عليهم أمري ولو ساعة ، قالت : قلت له : ألا أخرج عنك ، فإنك لم تنم ، فخرجت ، فجعلت أسمعه يقول : تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين مرارا ، ثم أطرق ، فلبثت طويلا لا يسمع له حس ، فقلت لوصيف : ويحك ! انظر ، فلما دخل ، صاح ، فدخلت فوجدته ميتا ، قد أقبل بوجهه على القبلة ، ووضع إحدى يديه على فيه ، والأخرى على عينيه . سمعها جرير بن حازم منه . [ ص: 142 ] عن عبيد بن حسان قال : لما احتضر عمر بن عبد العزيز قال : اخرجوا عني ، فقعد مسلمة وفاطمة على الباب ، فسمعوه يقول : مرحبا بهذه الوجوه ليست بوجوه إنس ولا جان ، ثم تلا تلك الدار الآخرة نجعلها الآية . ثم هدأ الصوت ، فقال مسلمة لفاطمة : قد قبض صاحبك فدخلوا فوجدوه قد قبض .

                                                                                      هشام بن حسان ، عن خالد الربعي قال : إنا نجد في التوراة أن السماوات والأرض تبكي على عمر بن عبد العزيز أربعين صباحا .

                                                                                      وقال هشام لما جاء نعيه إلى الحسن ، قال : مات خير الناس قال أبو إسحاق الجوزجاني ، حدثنا محمد بن سعيد القرشي ، حدثنا محمد بن مروان العقيلي ، حدثنا يزيد أن الوفد الذين بعثهم عمر بن عبد العزيز إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام ، قال : فلما بلغه قدومنا ، تهيأ لنا ، وأقام البطارقة على رأسه والنسطورية واليعقوبية إلى أن قال : فأتاني رسوله : أن أجب فركبت ومضيت ، فإذا أولئك قد تفرقوا عنه ، وإذا البطارقة قد ذهبوا ، ووضع التاج ، ونزل عن السرير ، فقال : أتدري لم بعثت إليك ، قلت : لا ، قال : إن صاحب مسلحتي كتب إلي أن الرجل الصالح عمر بن عبد العزيز مات ، قال : فبكيت ، واشتد بكائي ، وارتفع صوتي ، فقال لي : ما يبكيك ؟ ألنفسك تبكي أم له أم لأهل دينك ؟ قلت : لكل أبكي ، قال : فابك لنفسك ، ولأهل دينك ، [ ص: 143 ] فأما عمر ، فلا تبك له ، فإن الله لم يكن ليجمع عليه خوف الدنيا وخوف الآخرة ، ثم قال : ما عجبت لهذا الراهب الذي تعبد في صومعته وترك الدنيا ، ولكن عجبت لمن أتته الدنيا منقادة ، حتى صارت في يده ثم خلى عنها .

                                                                                      ابن وهب ، عن مالك أن صالح بن علي الأمير سأل عن قبر عمر بن عبد العزيز فلم يجد من يخبره ، حتى دل على راهب ، فسأله ، فقال : قبر الصديق تريدون ؟ هو في تلك المزرعة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية