الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1770 [ ص: 50 ] حديث حاد وثلاثون لزيد بن أسلم - مرسل

مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أنه أخبره قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد فدخل رجل ثائر الرأس ، واللحية فأشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( بيده ) أن اخرج - كأنه يعني إصلاح شعر رأسه ، ولحيته - ففعل الرجل ، ثم رجع ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أليس هذا خيرا من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان .

التالي السابق


قوله : في هذا الحديث : ثائر الرأس يعني أن شعره مرتفع غير مرجل ، وأصل الكلمة في اللغة الظهور ، والخبال ، ومنه أخذ الثائر ، والثورة .

ولا خلاف عن مالك أن هذا الحديث مرسل ، وقد يتصل معناه من حديث جابر ، وغيره .

وفيه إباحة اتخاذ الشعر ، والوفرات ، والجمم ; لأنه لم يأمره بحلقه ، وفيه الحض على ترجيل شعر الرأس ، واللحية ، وكراهية إهمال ذلك ، والغفلة عنه حتى يتشعث ، ويسمج .

[ ص: 51 ] وهذا - عندي - أصل في إباحة التزين ، والتنظف كله ما لم يتشبه الرجل في ذلك بالنساء ; وإنما استثنيت ذلك لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء ، والمتشبهات من النساء بالرجال . وهذا على العموم إلا أن يخصه عنه شيء - صلى الله عليه وسلم - فالتزين ، والتنظف مباح بهذا الحديث ، وغيره ، ما لم يكن إسرافا ، وتنعما ، وتشبها بالجبارين يدلك على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : البذاذة من الإيمان وقد جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن الترجل إلا غبا من حديث البصريين ، ومعناه ، - والله أعلم - على ما ذكرت .

وأما قوله : في الحديث : كأنه شيطان ، فهو محمول على المعروف من كلام العرب ; لأنها كانت تشبه ما استقبحت بالشيطان ، وإن كان لا يرى لما أوقع الله في نفوسهم من كراهية [ ص: 52 ] طلعته ، ومن هذا المعنى قوله : - عز وجل - في شجرة الزقوم طلعها كأنه رءوس الشياطين .

وأما الحديث المتصل في معنى هذا الحديث ، فحدثنا أحمد بن عمر قال : حدثنا عبد الله بن محمد ، وحدثنا قاسم بن محمد قال : أخبرنا خالد بن سعد قالا جميعا : حدثنا محمد بن فطيس قال : حدثنا بحر بن نصر قال : أخبرنا بشر بن بكر قال : حدثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية قال : حدثني محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرا في منزلنا فرأى رجلا شعثا فقال : أما كان هذا يجد ما يسكن به رأسه ؟ ورأى رجلا عليه ثيابا وسخة فقال : أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه ؟ .

وحدثنا محمد بن عبد الله قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال : حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا عبد الحميد بن حبيب كاتب الأوزاعي قال : حدثنا الأوزاعي قال : حدثنا حسان بن عطية قال : حدثني محمد بن [ ص: 53 ] المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرا في رحالنا ، فذكره إلى آخره سواء .

وذكره البزار قال : حدثنا أبو سعيد الأشج عبد الله بن سعيد وصالح بن معاذ قالا : حدثنا وكيع بن الجراح قال : حدثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا مثله .

وروي هذا الحديث عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن محمد بن المنكدر عن جابر ، وذلك خطأ ، والصواب ما ذكرنا ، عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن ابن المنكدر ، - والله أعلم - .

أخبرني عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : حدثنا محمد بن بكر بن عبد الرزاق قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى عن هشام بن حسان عن الحسن عن عبد الله بن مغفل قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الترجل إلا غبا .

[ ص: 54 ] ومن حديث فضالة بن عبيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينهاهم عن كثير من الرفاهية ، ويأمرهم بالاحتفاء أحيانا .

وروى ابن وهب عن ابن أبي الزناد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من كان له شعر فليكرمه .

وهذا المعنى في حديث الحجازيين كثير ، وبالله التوفيق .




الخدمات العلمية