الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              588 613 - قال يحيى: وحدثني بعض إخواننا، أنه قال: لما قال: حي على الصلاة. قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. وقال: هكذا سمعنا نبيكم - صلى الله عليه وسلم - يقول. [انظر: 612 - فتح: 2 \ 91]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديثين.

                                                                                                                                                                                                                              أحدهما: حديث أبي سعيد الخدري: "إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن". وهو حديث صحيح أخرجه مسلم والأربعة أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              الثاني: حديث عيسى بن طلحة: سمع معاوية يوما فقال مثله إلى قوله: وأشهد أن محمدا رسول الله.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 334 ] وفي رواية: إنه لما قال: حي على الصلاة. قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".

                                                                                                                                                                                                                              وهذا الحديث ذكره البخاري قريبا في باب يجيب الإمام على المنبر إذا سمع النداء، أطول من هذا، ورواه عن معاوية جماعة غير عيسى، وهذه الرواية الثانية صيغة البخاري في إيرادها:

                                                                                                                                                                                                                              قال يحيى: وحدثني بعض إخواننا، أنه قال لما قال: حي على الصلاة. قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. وقال: هكذا سمعنا نبيكم - صلى الله عليه وسلم - يقول.

                                                                                                                                                                                                                              وفيها جهالة كما ترى، والظاهر أن هذه الرواية متصلة من البخاري إلى يحيى فتأمله.

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية لابن خزيمة أنه قال في الشهادتين: وأنا في "صحيح الحاكم"، - وقال: صحيح الإسناد - من حديث أبي أمامة مرفوعا: "من نزل به كرب أو شدة فليتحين المنادي، فإذا كبر كبر، وإذا تشهد تشهد، وإذا قال: حي على الصلاة قال: حي على الصلاة، وإذا قال: حي على الفلاح قال: حي على الفلاح، ثم ليقل: اللهم رب هذه الدعوة الصادقة والحق المستجاب، له دعوة الحق، وكلمة التقوى، أحيينا عليها، وأمتنا عليها، وابعثنا عليها، واجعلنا من خيار أهلها محيا [ ص: 335 ] ومماتا، ثم يسأل الله حاجته".

                                                                                                                                                                                                                              وقد روي أيضا من حديث أبي رافع وأبي هريرة، وأم حبيبة، وابن عمرو، وعبد الله بن ربيعة، وعائشة، ومعاذ بن أنس، كما أفاده الترمذي، وأهمل خلقا آخر.

                                                                                                                                                                                                                              إذا عرفت ذلك فالكلام عليه من أوجه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها: المراد بالنداء: الأذان. وعن ابن وضاح: ليس "المؤذن" من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما عبر ثانيا بالمؤذن دون المنادي؛ لئلا يتكرر لفظ النداء أولا وآخرا. والثاني يتمحض به الأذان للصلاة بخلاف الأول، فإنه مشترك بين النداء لها وغيره.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها: ظاهر الأمر الوجوب، وبه قال بعضهم فيما حكاه الطحاوي، والجمهور على الندبية، وقال ابن قدامة: لا أعلم فيه خلافا، وقد سمع - عليه السلام - في سفر مناديا يقول: الله أكبر الله أكبر فقال: "على الفطرة"، فلما تشهد قال: "خرج من النار"... الحديث، فقد [ ص: 336 ] أجاب بغير ما قال وأبعد بعض الحنفية فقال: الإجابة بالقدم وهو المشي إلى المسجد لا باللسان، حتى لو كان حاضرا في المسجد يسمع الأذان فليس عليه إجابة، فإن قال مثل ما يقول نال الثواب وإلا فلا إثم عليه.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها: حديث معاوية مبين لإطلاق حديث أبي سعيد أنه لا يقول في الحيعلة مثله، بل يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. وحديث عمر في "صحيح مسلم" يوافقه، وهو مناسب للإجابة ويقولها أربعة لكل واحدة حوقلة، وقيل: يقولها مرتين، وفي "الذخيرة" من كتب الحنفية بزيادة: ما شاء الله كان، وفي "المحيط" لهم يقول مكان حي على الصلاة: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ومكان الفلاح: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الخرقي: يقول: مثل المؤذن كله. وقيل: يجمع بينهما للحديثين يعني: يقول: حي على الصلاة لا حول ولا قوة إلا بالله.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 337 ] وعن مالك أن الإجابة تنتهي إلى آخر الشهادتين فقط؛ لأنه ذكر، وما بعده بعضه ليس بذكر، وبعضه تكرار لما سبق ويقول في كلمة التثويب: صدقت وبررت؛ لأنه مناسب وإن لم يرد فيه نص. وقال ابن حزم: يقول مثله سواء، ولو في صلاة إلا الحيعلة فبعد الفراغ منها.

                                                                                                                                                                                                                              وعند المالكية ثلاثة أقوال: الإجابة لعموم الحديث، وبه قال أحمد والطحاوي. والمنع؛ لأن في الصلاة شغلا. يقول التكبير والتشهد في النفل فقط، وعندنا: لا يوافقه، فرضا كانت الصلاة أو نفلا، فإن فعل كره على الأظهر إلا في الحيعلة أو التثويب، فإنها تبطل إن كان عالما؛ لأنه كلام آدمي، وكذا قال ابن قدامة الحنبلي: إن قال الحيعلة بطلت صلاته. وعن المالكية رواية قول: فيه؛ لأنه يقصد الحكاية لا الدعاء.

                                                                                                                                                                                                                              رابعها: يتابع في كل كلمة عقبها، واختلف قول مالك: هل يتابع المؤذن، أو يقوله مسرعا قبل فراغه من التأذين؟

                                                                                                                                                                                                                              خامسها: هل يجيب كل مؤذن؟ فيه خلاف حكاه الطحاوي وابن التين المالكي، ولا نص لأصحابنا فيه، ولا يبعد أن يقال: يختص بالأول؛ لأن الأمر المطلق لا يفيد التكرار.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 338 ] سادسها: لفظ المثل لا يقتضي المساواة من كل وجه، فإنه لا يراد بذلك مماثلة في كل أوصافه حتى رفع الصوت، وفي: لا حول ولا قوة إلا بالله خمسة أوجه مشهورة: فتحهما بغير تنوين، وفتحهما به، وفتح الأول ونصب الثاني منونا، وفتح الأول ورفع الثاني منونا، وعكسه، أي: لا حركة، ولا استطاعة إلا بمشيئة الله.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية