الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن المسلمين وأهل الكتاب من يقول بالتجسيد، فلو كان هذا تجسيما وتجسيدا يجب إنكاره، لكان الرسول إلى إنكار ذلك أسبق وهو به أحق.

وإن كان الطريق إلى نفي العيوب والنقائص، ومماثلة الخالق لخلقه، هو ما في ذلك من التجسيد والتجسيم، كان إنكار ذلك بهذا الطريق هو الصراط المستقيم، كما فعله من أنكر ذلك بهذا الطريق من القائلين بموجب ذلك من أهل الكلام، فلما لم ينطق النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا التابعون، بحرف من ذلك بل كان ما نطق به [ ص: 96 ] موافقا مصدقا لذلك، وكان اليهود إذا ذكروا بين يديه أحاديث في ذلك يقرأ من القرآن ما يصدقها.

كما في الصحيحين عن [عبد الله] بن مسعود أن يهوديا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يوم القيامة يمسك السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، ثم يهزهن، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا وتصديقا لقول الحبر، ثم قرأ قوله تعالى وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون [سورة الزمر: 67] .

وأخبر هو صلى الله عليه وسلم بما يوافق ذلك غير مرة، كما في حديث ابن عمر الذي في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على المنبر هذه الآية ثم قال: يقول الله: أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا المتعال يمجد نفسه. قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرددها، حتى رجف به المنبر، حتى ظننا أنه سيخر به.

فهذا كله ذكرناه لما بينا أن ما يخالف هذه النصوص من القضايا التي يقال: أنها عقلية ليست مما يحتاج إليه في العلم بصدق الرسول، فاعلم [ ص: 97 ] بطلان قول القائل: إن تقديم النقل على العقل يوجب القدح فيه بالقدح في أصله، حيث تبين أن ذلك ليس قدحا في أصله.

وهذا الكلام في الأصل هو من قول الجهمية والمعتزلة وأمثالهم، وليس من قول الأشعري وأئمة الصحابة وإنما تلقاه عن المعتزلة متأخرو الأشعرية لما مالوا إلى نوع التجهم، بل الفلسفة، وفارقوا قول الأشعري وأئمة الصحابة، الذين لم يكونوا يقرون بمخالفة النقل للعقل، بل انتصبوا لإقامة أدلة عقلية توافق السمع.

ولهذا أثبت الأشعري الصفات الخبرية بالسمع، وأثبت بالعقل الصفات العقلية التي تعلم بالعقل والسمع، فلم يثبت بالعقل ما جعله معارضا للسمع، بل ما جعله معاضدا له، وأثبت بالسمع ما عجز عنه العقل.

وهؤلاء خالفوه وخالفوا أئمة الصحابة في هذا وهذا، فلم يستدلوا بالسمع في إثبات الصفات، وعارضوا مدلوله بما ادعوا من العقليات.

التالي السابق


الخدمات العلمية