الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      مسألة

                                                                                                                                                                                                                                      ظاهر هذه الآيات الكريمة التي ذكرنا يدل على اتحاد معنى العقب والذرية والبنين ; لأنه قال في بعضها عن إبراهيم : واجنبني وبني أن نعبد الأصنام [ 14 \ 35 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال عنه في بعضها : رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي [ 14 \ 40 ] . وفي بعضها : ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة الآية [ 14 \ 37 ] . وفي بعضها قال : ومن ذريتي ، وفي بعضها : وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب [ 29 \ 27 ] . وفي بعضها : وجعلها كلمة باقية في عقبه .

                                                                                                                                                                                                                                      فالظاهر المتبادر من الآيات أن المراد بالبنين والذرية والعقب شيء واحد ; لأن جميعها في شيء واحد . وبذلك تعلم أن ظاهر القرآن يدل على أن من وقف وقفا أو تصدق صدقة على بنيه أو ذريته أو عقبه - أن حكم ذلك واحد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد دل بعض الآيات القرآنية على أن أولاد البنات يدخلون في اسم الذرية واسم البنين .

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا دل القرآن على دخول ولد البنت في اسم الذرية والبنين ، والفرض أن العقب بمعناهما - دل ذلك على دخول أولاد البنات في العقب أيضا ، فمن الآيات الدالة على دخول ولد البنت في اسم الذرية قوله - تعالى - : ومن ذريته داود وسليمان إلى قوله : وعيسى وإلياس [ 6 \ 84 - 85 ] . وهذا نص قرآني صريح في دخول ولد البنت في اسم الذرية ; لأن عيسى - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - ولد بنت ، إذ لا أب له .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن الآيات الدالة على دخول ولد البنت في اسم البنين قوله - تعالى - : حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم [ 4 \ 23 ] . وقوله - تعالى - : وبنات الأخ وبنات الأخت [ 4 \ 23 ] . لأن لفظ البنات في الألفاظ الثلاثة - شامل لبنات البنات وبنات بناتهن ، وهذا لا نزاع فيه بين [ ص: 106 ] المسلمين ، وهو نص قرآني صحيح في استواء بنات بنيهن وبنات بناتهن .

                                                                                                                                                                                                                                      فتحصل أن دخول أولاد البنات في الوقف على الذرية والبنين والعقب ، هو ظاهر القرآن ، ولا ينبغي العدول عنه .

                                                                                                                                                                                                                                      وكلام فقهاء الأمصار من الأئمة الأربعة وغيرهم في الألفاظ المذكورة معروف ، ومن أراد الاطلاع عليه فلينظر كتب فروع المذاهب ، ولم نبسط على ذلك الكلام هنا ; لأننا نريد أن نذكر هنا ما يدل ظاهر القرآن على ترجيحه من ذلك فقط .

                                                                                                                                                                                                                                      أما لفظ الولد فإن القرآن يدل على أن أولاد البنات لا يدخلون فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      وذلك في قوله - تعالى - : يوصيكم الله في أولادكم الآية [ 4 \ 11 ] . فإن قوله : ( في أولادكم ) لا يدخل فيه أولاد البنات ، وذلك لا نزاع فيه بين المسلمين ، وهو نص صريح قرآني على عدم دخول أولاد البنات في اسم الولد .

                                                                                                                                                                                                                                      وإن كان جماهير العلماء على أن العقب والولد سواء .

                                                                                                                                                                                                                                      ولا شك أن اتباع القرآن هو المتعين على كل مسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      أما لفظ النسل فظاهر القرآن شموله لأولاد البنات ; لأن قوله - تعالى - : ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين [ 32 \ 6 - 8 ] - ظاهر في أن لفظة النسل في الآية شاملة لأولاد البنات ، كما لا يخفى .

                                                                                                                                                                                                                                      والألفاظ التي يتكلم عليها العلماء في هذا المبحث هي أحد عشر لفظا ذكرنا خمسة منها وهي : الذرية والبنون والعقب والولد والنسل . وذكرنا أن أربعة منها يدل ظاهر القرآن على أنها يدخل فيها أولاد البنات ، وواحد بخلاف ذلك وهو الولد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما الستة الباقية منها فهي : الآل والأهل ، ومعناهما واحد .

                                                                                                                                                                                                                                      والقرابة والعشيرة والقوم والموالي ، وكلام العلماء فيها مضطرب .

                                                                                                                                                                                                                                      ولم يحضرني الآن تحديد يتميز به ما يدخل في كل واحد منها وما يخرج عنه ، إلا على سبيل التقريب ، إلا لفظين منها وهما القرابة والعشيرة .

                                                                                                                                                                                                                                      أما القرابة فقد ثبت في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - " أنه أعطى من خمس خيبر بني هاشم وبني [ ص: 107 ] المطلب دون بني عبد شمس وبني نوفل " ، مبينا أن ذلك هو معنى قوله - تعالى - : فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى [ 8 \ 41 ] . كما تقدم إيضاحه في سورة " الأنفال " في الكلام على آية الخمس هذه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما العشيرة فقد ثبت في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن عباس أنه لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين [ 26 \ 214 ] - صعد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصفا ، فجعل ينادي : " يا بني فهر ، يا بني عدي " لبطون قريش حتى اجتمعوا ، الحديث . وفيه تحديد العشيرة الأقربين بجميع بني فهر بن مالك ، وهو الجد العاشر له - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي رواية أبي هريرة في الصحيح أنه لما نزلت الآية المذكورة قال : " يا معشر قريش " أو كلمة نحوها ، الحديث ، وقريش هم أولاد فهر بن مالك . وقيل : أولاد النضر بن كنانة . والأول هو الأظهر لحديث ابن عباس المذكور ، وعليه الأكثر .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية