الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله

                                                                                                                                                                                                        4316 حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال حدثني إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال حدثني سهل بن سعد الساعدي أنه رأى مروان بن الحكم في المسجد فأقبلت حتى جلست إلى جنبه فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها علي قال يا رسول الله والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت وكان أعمى فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي ثم سري عنه فأنزل الله غير أولي الضرر

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : باب لا يستوي القاعدون من المؤمنين الآية كذا لأبي ذر ، ولغيره " والمجاهدون في سبيل الله " واختلفت القراءة في " غير أولي الضرر " فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بالرفع على البدل من القاعدون ، وقرأ الأعمش بالجر على الصفة للمؤمنين ، وقرأ الباقون بالنصب على الاستثناء .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن صالح ) هو ابن كيسان .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثني سهل بن سعد ) كذا قال صالح ، وتابعه عبد الرحمن بن إسحاق عن ابن شهاب عند الطبري ، وخالفهما معمر فقال " عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت " أخرجه أحمد .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 109 ] قوله : ( أنه رأى مروان بن الحكم ) أي ابن أبي العاص أمير المدينة الذي صار بعد ذلك خليفة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأقبلت حتى جلست إلى جنبه ، فأخبرنا ) قال الترمذي في هذا الحديث رواية رجل من الصحابة وهو سهل بن سعد عن رجل من التابعين وهو مروان بن الحكم ، ولم يسمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو من التابعين . قلت : لا يلزم من عدم السماع عدم الصحة ، والأولى ما قال فيه البخاري : لم ير النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد ذكره ابن عبد البر في الصحابة لأنه ولد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل عام أحد وقيل عام الخندق وثبت عن مروان أنه قال لما طلب الخلافة فذكروا له ابن عمر فقال : ليس ابن عمر بأفقه مني ، ولكنه أسن مني وكانت له صحبة . فهذا اعتراف منه بعدم صحبته وإنما لم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان سماعه منه ممكنا لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفى أباه إلى الطائف فلم يرده إلا عثمان لما استخلف ، وقد تقدمت روايته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في كتاب الشروط مقرونة بالمسور بن مخرمة ، ونبهت هناك أيضا على أنها مرسلة ، والله الموفق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أملى عليه : لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله ) في رواية قبيصة المذكورة عن زيد بن ثابت " كنت أكتب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وفي رواية خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه " إني لقاعد إلى جنب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أوحي إليه وغشيته السكينة فوضع فخذه على فخذي قال زيد : فلا والله ما وجدت شيئا قط أثقل منها " وفي حديث البراء بن عازب الذي في الباب بعد هذا لما نزلت قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ادع لي فلانا ، فجاءه ومعه الدواة واللوح والكتف وفي الرواية الأخرى عنه في الباب أيضا " دعا زيدا فكتبها " فيجمع بينهما بأن المراد بقوله " لما نزلت " كادت أن تنزل لتصريح رواية خارجة بأن نزولها كان بحضرة زيد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فجاءه ابن أم مكتوم ) في رواية قبيصة المذكورة " فجاء عبد الله بن أم مكتوم " وعند الترمذي من طريق الثوري وسليمان التيمي كلاهما عن أبي إسحاق عن البراء " جاء عمرو بن أم مكتوم " وقد نبه الترمذي على أنه يقال له عبد الله وعمرو ، وأن اسم أبيه زائدة وأن أم مكتوم أمه . قلت : واسمها عاتكة ، وقد تقدم شيء من خبره في كتاب الأذان .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وهو يملها ) بضم أوله وكسر الميم وتشديد اللام هو مثل يمليها ، يملي ويملل بمعنى ، ولعل الياء منقلبة من إحدى اللامين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( والله لو أستطيع الجهاد معك لجاهدت ) أي لو استطعت ، وعبر بالمضارع إشارة إلى الاستمرار واستحضارا لصورة الحال ، قال وكان أعمى ، هذا يفسر ما في حديث البراء " فشكا ضرارته " وفي الرواية الأخرى عنه " فقال أنا ضرير " وفي رواية خارجة " فقام حين سمعها ابن أم مكتوم وكان أعمى فقال : يا رسول الله ، فكيف بمن لا يستطيع الجهاد ممن هو أعمى وأشباه ذلك " وفي رواية قبيصة " فقال : إني أحب الجهاد في سبيل الله ، ولكن بي من الزمانة ما ترى ، ذهب بصري " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أن ترض فخذي ) أي تدقها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ثم سري ) بضم المهملة وتشديد الراء أي كشف .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأنزل الله : غير أولي الضرر ) في رواية قبيصة ثم قال اكتب : لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر [ ص: 110 ] وزاد في رواية خارجة بن زيد " قال زيد بن ثابت : فوالله لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع كان في الكتف .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية