الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 5 - الصيد ]

وأما المحظور الخامس فهو الاصطياد : وذلك أيضا مجمع عليه لقوله - سبحانه وتعالى - : ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) ، وقوله - تعالى - : ( ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) . وأجمعوا على أنه لا يجوز له صيده ولا أكل ما صاد هو منه .

واختلفوا إذا صاده حلال هل يجوز للمحرم أكله ؟ على ثلاثة أقوال :

1 - قول : إنه يجوز له أكله على الإطلاق ، وبه قال أبو حنيفة ، وهو قول عمر بن الخطاب والزبير .

2 - وقال قوم : هو محرم عليه على كل حال ، وهو قول ابن عباس وعلي وابن عمر ، وبه قال الثوري .

3 - وقال مالك : ما لم يصد من أجل المحرم أو من أجل قوم محرمين فهو حلال ، وما صيد من أجل محرم فهو حرام على المحرم .

وسبب اختلافهم : تعارض الآثار في ذلك .

فأحدها : ما خرجه مالك من حديث أبي قتادة : أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حتى إذا كانوا ببعض طرق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم ، فرأى حمارا وحشيا فاستوى على فرسه ، فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا عليه فسألهم رمحه فأبوا عليه ، فأخذه ثم شد على الحمار فقتله ، فأكل منه بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبى بعضهم ، فلما أدركوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سألوه عن ذلك فقال : إنما هي طعمة أطعمكموها الله " . وجاء أيضا في معناه حديث طلحة بن عبيد الله ذكره النسائي أن عبد الرحمن [ ص: 275 ] التميمي قال : " كنا مع طلحة بن عبيد الله ونحن محرمون ، فأهدي له ظبي وهو راقد ، فأكل بعضنا ، فاستيقظ طلحة فوافق على أكله وقال : أكلناه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

والحديث الثاني : حديث ابن عباس خرجه أيضا مالك : " أنه أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمارا وحشيا وهو بالأبواء أو بودان فرده عليه وقال : إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم " .

وللاختلاف سبب آخر : وهو هل يتعلق النهي عن الأكل بشرط القتل ، أو يتعلق بكل واحد منهما النهي عن الانفراد ؟ فمن أخذ بحديث أبي قتادة قال : إن النهي إنما يتعلق بالأكل مع القتل ، ومن أخذ بحديث ابن عباس قال : النهي يتعلق بكل واحد منهما على انفراده .

فمن ذهب في هذه الأحاديث مذهب الترجيح قال : إما بحديث أبي قتادة ، وإما بحديث ابن عباس . ومن جمع بين الأحاديث قال بالقول الثالث .

قالوا : والجمع أولى ، وأكدوا ذلك بما روي عن جابر عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه قال : " صيد البر حلال لكم وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم " .

واختلفوا في المضطر هل يأكل الميتة أو يصيد في الحرم ؟ فقال مالك وأبو حنيفة والثوري وزفر وجماعة : إذا اضطر أكل الميتة ولحم الخنزير دون الصيد . وقال أبو يوسف : يصيد ويأكل وعليه الجزاء ، والأول أحسن للذريعة . وقال أبو يوسف : أقيس لأن تلك محرمة لعينها والصيد محرم لغرض من الأغراض ، وما حرم لعلة أخف مما حرم لعينه ، وما هو محرم لعينه أغلظ .

فهذه الخمسة اتفق المسلمون على أنها من محظورات الإحرام .

التالي السابق


الخدمات العلمية