الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ حكم من أعتق عبيدا له في مرضه أو بعد موته ولا مال له غيرهم ]

وذلك أن الفقهاء اختلفوا فيمن أعتق عبيدا له في مرضه أو بعد موته ولا مال له غيرهم .

فقال : مالك والشافعي وأصحابهما وأحمد وجماعة : إذا أعتق في مرضه ولا مال له سواهم قسموا ثلاثة أجزاء وعتق منهم جزء بالقرعة بعد موته ، وكذلك الحكم في الوصية بعتقهم .

وخالف أشهب وأصبغ مالكا في العتق المبتل في المرض ، فقالا جميعا : إنما القرعة في الوصية ، وأما حكم العتق المبتل فهو كحكم المدبر .

ولا خلاف في مذهب مالك أن المدبرين في كلمة واحدة إذا ضاق عنهم الثلث أنه يعتق من كل واحد منهم بقدر حظه من الثلث .

وقال : أبو حنيفة وأصحابه في العتق المبتل : إذا ضاق عنه الثلث أنه يعتق من كل واحد منه ثلثه .

وقال الغير : بل يعتق من الجميع ثلثه .

فقوم من هؤلاء اعتبروا في ثلث الجميع القيمة ، وهو مذهب مالك والشافعي ، وقوم اعتبروا العدد .

فعند مالك إذا كانوا ستة أعبد مثلا عتق منهم الثلث بالقيمة كان الحاصل في ذلك اثنين منهم أو أقل أو أكثر ، وذلك أيضا بالقرعة بعد أن يجبروا على القسمة أثلاثا ، وقال قوم : بل المعتبر العدد ، فإن كانوا ستة عتق منهم اثنان وإن كانوا مثلا سبعة عتق منهم اثنان وثلث .

فعمدة أهل الحجاز ما رواه أهل البصرة عن عمران بن الحصين : " أن رجلا أعتق ستة مملوكين عند [ ص: 698 ] موته ولم يكن له مال غيرهم فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجزأهم أثلاثا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة " خرجه البخاري ومسلم مسندا ، وأرسله مالك .

وعمدة الحنفية ما جرت به عادتهم من رد الآثار التي تأتي بطرق الآحاد إذا خالفتها الأصول الثابتة بالتواتر . وعمدتهم أنه قد أوجب السيد لكل واحد منهم العتق تاما ، فلو كان له مال لنفذ بإجماع ، فإذا لم يكن له مال وجب أن ينفذ لكل واحد منهم بقدر الثلث الجائز فعلى السيد فيه ، وهذا الأصل ليس بينا من قواعد الشرع في هذا الموضع ، وذلك أنه يمكن أن يقال له : إنه إذا أعتق من كل واحد منهم الثلث دخل الضرر على الورثة والعبيد المعتقين ، وقد ألزم الشرع مبعض العتق أن يتم عليه ، فلما لم يمكن هاهنا أن يتمم عليه جمع في أشخاص بأعيانهم لكن متى اعتبرت القيمة في ذلك دون العدد أفضت إلى هذا الأصل ، وهو تبعيض العتق ، فلذلك كان الأولى أن يعتبر العدد وهو ظاهر الحديث ، وكان الجزء المعتق في كل واحد منهم هو حق لله فوجب أن يجمع في أشخاص بأعيانهم أصله حق الناس .

التالي السابق


الخدمات العلمية