الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سبب الوساوس القهرية وكيفية معالجتها

السؤال

الإخوة الأفاضل، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته!
أحمد الله وأشكره على نعمه! فأنا أؤدي فرائضي ما استطعت، وأحب فعل الخير، وأسعى إليه! ناجح في عملي، وتقلدت عدة مناصب، مرح وصاحب نكتة، وأشارك الناس في أفراحهم وأحزانهم، ولدي أسرة، علاقتي مع زوجتي وأبنائي علاقة محبة، كل شيء في حياتي جميل وممتع، والحمد لله!

مشكلتي أنه بدون سابق إنذر أشعر بأفكار تسيطر علي، تحاول أن توهمني بأنني غير سوي! وأيضاً تحاول إيهامي بأنني ليس لدي عقيدة الإيمان بالله، وأن ما أقوم به ليس من أجل الله، وما يحدث معي من نعم ونجاح ليس كرما من الله، وأعوذ بالله من ذلك! هذه الأحاسيس تأتي فجأة، خاصة أثناء الصلاة، أو عندما أكون وحيدا، أو في وقت الفراغ غير المملوء، وهي لا تستمر طويلا، قد لا تتجاوز دقائق في أغلب الأحيان! فإذا ما غيرت من وضعي، أو تحدثت مع الآخرين، أو قمت بعمل شيء ما، مثل: التسبيح مثلا؛ فإنها تذهب!

هذه الأفكار تتمحور عادة على الأمرين السابقين فقط، وقد تغيب، ولا تأتي حتى لمدة شهر، ولكنها قد تأتي فجأة بدون سابق موعد يمكنني تحديده! سألت أخصائي أمراض نفسية عبر الإنترنت منذ عامين، ووصف لي بعض تمارين الاسترخاء، ووصف الحالة بأنها وسواس قهري، ولكن عندما أطلع على المواضيع ذات العلاقة بالوسواس القهري، لا أجد أن ذلك ينطبق علي، خاصة فيما يتعلق بالوضوء والنظافة والترتيب وما إلى ذلك!

أستفيد كثيراً عندما أتكلم مع نفسي بأنني قوي، وبأنها أفكار سخيفة، وأنها لم ولن تؤثر في حياتي! كما أني أشعر بالارتياح حينما أقوم وأصلي لغرض التخلص من هذه الأفكار، أيضاً عندما أقرأ القرآن، وكذلك عندما أقرأ مواضيع تتعلق بالموضوع، وكيفية الوقاية منه.

في بعض الأحيان أجد نفسي أضحك من هذه الوساوس، وفي البعض الآخر أجد نفسي أنجر وراءها، وهذا يزيد من قلقي، وأنا أكتب إليك الآن أشعر بتفريغ شحنة من داخلي، ولا أشعر بأي قلق!

أنا أمارس رياضة الاسترخاء، وأتابع باهتمام موضوع البرمجة العصبية، وقد غير هذا البرنامج الكثير من مفاهيمي، وأصبحت أكثر إيجابية، وطردت العديد من السلوكيات السلبية، ولكن ـ للأسف ـ لم أستطيع التغلب نهائياً على هذه الحالة التي تقلقني إلى حد ما!

أرجو أن تتكرموا بإفادتي بتشخيص حالتي! وإلى أي مدى يمكن معالجتها عن طريق البرمجية العصبية، أو العلاجات السلوكية الأخرى، وأنا أميل إلى هذه الأنواع من المعالجة لإقتناعي التام بفائدتها، ولأنني أجني بعض فوائدها في حالتي هذه! أرجو التكرم بتقديم العلاج اللازم لهذه الحالة، وكيف تشخصوننا؟ وبماذا تنصحونني؟
أفادكم الله!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Gfg حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أود أن أؤكد لك أن ما وصفته هو الوسواس القهري بعينه، والذي يكون في بعض الأحيان في شكل أفكار أو طقوس، أو أفعال، أو مخاوف، أو صور عقلية عابرة ....وهكذا .

وقد وصف أحد العلماء أن الأمراض إذا كانت تتمتع بأي نوع من الذكاء، فالوسواس القهري هو أذكى هذه الأمراض، حيث أنه يطارد الإنسان ويتلون ويتشكل، فأرجو يا أخي أن تطمئن أن التشخيص صحيحٌ جداً، وأرجو أن تطمئن أيضاً أن الوسواس القهري يمكن علاجه بصورةٍ فعالة جداً، وأنت بفضل الله قد قطعت شوطاً طويلاً في ذلك، وذلك بمحاولتك تحقير هذه الأفكار، ومقاومتها، وبناء خارطة فكرية ونفسية جديدة، ويمكن أن يكون ذلك بالطبع عن طريق البرمجة العصبية، والعلاجات المشابهة .

وعليه أريد أن أشد على يديك، وأريدك أن تواصل نفس هذه التمارين الذهنية، والقائمة على المقاومة، واستبدال الفكرة بفكرةٍ مخالفةٍ لها، وإجراء حوار ذاتي مع النفس، حتى تقتنع فعلاً بسخافة هذه الأفكار، وتبني لديك العزيمة والإصرار بهزيمتها، مهما كانت درجة تسلطها وتحايلها وذكائها .

هنالك شيء -يا أخي- أرجو أن أؤكده لك أيضاً بصورةٍ قاطعة، وهي أن الأبحاث توصلت أن هنالك تغيراتٍ كيميائية تحدث في الدماغ في منطقةٍ تعرف بنواة كوديت، والمادة التي يحدث فيها التغير هي مادة السيروتينين، لماذا يحدث هذا التغير؟ لا أحد يعرف، ولكن الثابت أن هنالك بعض الأشخاص لديهم الاستعداد لهذا التغير، وعليه يا أخي بما أن الأمر يتعلق بأمرٍ بايلوجي، فيجب أن لا نتجاهل العلاج البايلوجي أيضاً، وقد تم بحمد الله اكتشاف أدوية فعالة وممتازة، وغير إدمانية، تساهم بقوة في علاج الوساوس القهرية، وذلك لا يعني مطلقاً أن ننكر أو نتجاهل دور العلاج السلوكي، وإنما الأمر مكمّل لبعضه البعض، وعليه يا أخي فوراً وعلى مسئوليتي المهنية والأخلاقية والضميرية أرجو أن تبدأ في تناول أي من الأدوية المضادة للوساوس، والعلاج الذي أفضله هو البروزاك، كبسولة واحدة في الصباح، بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم تضيف عليه عقار آخر يعرف باسم فافرين، بجرعة 50 مليجرام ليلاً بعد الأكل، ترفعها إلى 100 مليجرام ليلاً بعد أسبوعين، وتستمر في الدوائين لمدة ستة أشهر، بعدها يمكن أن توقف البروزاك، وتستمر على الفافرين لمدة ثلاثة أشهر أخرى، بجرعة 100 مليجرام، ثم تخفض هذه الجرعة إلى 50 مليجرام، وتظل عليها لمدة أسبوعين، ثم تتوقف عن العلاج .

ومن هنا فخطوط العلاج هي ثلاثة:

أولاً: فهم طبيعة هذا المرض .

ثانياً: العلاج النفسي والسلوكي.

ثالثاً: العلاج الدوائي.

وهي مدعمة ومكملة لبعضها البعض، ولا يوجد أي تناقض فيما بينها .

عافاك الله وشفاك.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً