الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم أفعال الإنسان الواقع تحت تأثير السحر

السؤال

سيدة ذهبت إلى شيخ، أظهر لها بأنه شيخ دين، ولا ينتهج في علاجه سوى القرآن الكريم والسنة الشريفة، مع العلم بأن هذه السيدة معروف عنها الصلاح ومتبعة لمعايير الدين الحنيف طوال حياتها، وسبب ذهابها في الأصل لهذا الشيخ أنها وجدت من زوجها تغيرًا في الطباع، وتجنبه الحديث معها، وعدم الميل إلى معاشرتها، رغم دعوتها له بذلك، ونتائج ذهابها لهذا الشيخ تبينت بعدما وقع الطلاق بين الزوجين، وبعدما أحضر أهل الزوجة هذه السيدة إلى بيت أهلها، وإحضار شيخ يقرأ عليها آيات الرقية حتى تفيق وترجع إلى حالها، فقد تبين أن زوجها قام بمراقبتها بعد أن شك بها وبتصرفاتها معه بأن وضع لها جهاز تسجيل لمكالماتها، فوجدها تتحدث مع رجل بكلمات الحب، فكان منه أن ظل يسجل لها، ومن ثم أحضر هذه التسجيلات لأهلها، فكان ردة فعل أهلها بأن أقنعوها بأن أباها يحتضر، فحضرت على الفور إلى منزل أبيها، وهنا واجهها أهلها بالذي عرفوه عنها، فانهارت، فظلوا يقرؤون عليها القرآن حتى أفاقت، فأصبحت تقول بأنها تعرف شيخ دين قال لها بأنها هي وزوجها تعرضا للسحر، وكذلك أهلها، وأنها تعمل على فك هذا السحر بالقرآن، وأن زوجها وقع تحت تأثير سحر من قبل امرأتين تريدان تطليقها من زوجها، لأنهما يكرهانها، وإحداهما تريد الزواج به، وأنها أي الزوجة عليها بأن تنقذ زوجها من هذا السحر من خلال ماء قد تمت القراءة عليه من قبل هذا الشيخ، وعليها أن تشرب منه هي وزوجها لمدة 7 أيام صباحًا ومساءً، وبخور تبخر به الزوجة نفسها، وكذلك تغتسل بهذا الماء، وعليها أن لا تخبر زوجها بأي شيء عن هذا الشيخ، وإلا سيخرب فك السحر.
وعندما سمع أهل هذه السيدة برواية ابنتهم تأكدوا بأن ابنتهم واقعة تحت تأثير السحر، فأحضروا رجلًا عالمًا بالرقية الشرعية، وأصبح يقرأ عليها حتى ذهب عنها السحر، وكما أشربها ماءً عليه قراءة قرآن، وطلب منها الاستحمام بماء مقروء عليه قرآن، والحمد لله شفيت الزوجة من السحر بعد فترة من العلاج على أيدي رجال من أهل الدين، فهناك من سقاها ماء وعليه أعشاب حتى يخرج السحر الذي في جسمها، والذي كان أشربها إياه ذلك المشعوذ الذي انتحل شخصية شيخ دين، والذي قد عمل لها سحر تفرقة بينها وبين زوجها.
سؤالي هو: أن هذه السيدة تعض أصابع الندم للحال الذي وصلت إليه من طلاق، وأنها قد قامت بأعمال سحرية لنفسها ولزوجها حتى وإن كانت تقصد غير ذلك. حزينة على نفسها، وغضبانة منها، لأنها ليست من تفعل هذه الأفعال. نادمة أشد الندم من فعلتها -تابت إلى الله توبة نصوحًا- لديها من الأبناء بنت وولد، مشتاقة للرجوع إليهما، وتدعو الله ليل نهار بأن ترجع إلى زوجها وأبنائها، ولكن الزوج رافض رفضًا تامًا أن يراها أو يسمع صوتها، بالإضافة أنه مانع الأبناء من رؤيتها.
الذي أريد قوله: بأن هذه السيدة معروف عنها طيلة حياتها الطهارة وحسن الأخلاق، والسيرة العطرة، وأن عمر زيجتها أكثر من 15 عامًا وزوجها يعرفها حق المعرفة، لأنه في الأصل ابن عمها، ورغم ذلك لا يريد أن يسمع أي دفاع عنها، ولا يريد أي وساطة لإرجاعها، ولا يريد من أي أحد أن يعرف سر طلاقه لها، والذي يعرف بالموضوع فقط أسرتها وخاله.
وهي الآن محروقة بنار خوفها من الله بأن لا يقبل توبتها، ونار بأن لا ترجع إلى زوجها وأبنائها وحرمانها منهم. فماذا تفعل!
إنها طوال الوقت تدعو الله بأن يفرج عليها همها، ولا تعرف ماذا تفعل! وخصوصًا أن أبناءها كل حياتها، فهي تشعر بأنها خدعت وظلمت على يد هذا المشعوذ الذي يدعي بأنه رجل دين، لدرجة أنها باعت جزءًا كبيرًا من ذهبها حتى توفر الأموال له، حيث إنها كانت تعشقه وهي لا تدري. فهل يجوز الحكم على هذه السيدة بأنها خائنة؟ مع العلم أنها لم تكن تعي ما تصنع، وهل طلاقها صحيح؟
وشكرًا لسعة صدركم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالإنسان إذا فقد وعيه، وصار لا يهتدي إلى شيء، ولا يعقل ما يصدر عنه من أفعال أو أقوال، فإنه يصير في حكم المجنون سواء كان ذلك بتأثير السحر أو غيره، والمجنون غير مؤاخذ بما يصدر عنه ؛ لما روى الإمام أحمد وأصحاب السنن من حديث عائشة مرفوعا: رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق. وفي رواية: عن المعتوه حتى يعقل.

فإذا كانت هذه المرأة قد فعلت ما فعلت وهي لا تعقل ما تفعل ولا تدري ما تقول فهي غير آثمة لأنها لم تكن مكلفة أصلا في هذه الحالة، ولا يجوز لأحد أن يؤاخذها بما فعلت وهي في تلك الحالة، ولا أن ينسبها إلى خيانة أو فجور أو غير ذلك.

وإن كانت قد فعلت شيئا من ذلك وهي مدركة فإنها تعتبر آثمة وعليها أن تبادر إلى التوبة الصادقة وتعقد العزم أن لا تعود إلى شيء من ذلك مع الندم.

وأما بالنسبة لطلاق زوجها لها فإن كان الزوج في حالة لا يعي فيها ما يقول وهو تحت تأثير السحر ؛ فلا يقع الطلاق الذي صدر منه في هذه الحالة، قال الإمام البهوتي الحنبلي في كشاف القناع: وقال الشيخ: إذا بلغ به السحر إلى أن لا يعلم ما يقول لم يقع به الطلاق. انتهى. لأنه لا قصد له إذن. اهـ.

ولكن معطيات السؤال لا توحي بأن الزوج كان فاقدا لوعيه، وبالتالي فطلاقه يعتبر نافذا وله أن يرجعها في العدة أو يعقد عليها، إن كانت قد خرجت من العدة، ولم تكن هذه هي ثالث طلقة منه.

وعلى أية حال فليس له أن يمنعها من رؤية أبنائها، ويمكن أن تراجع في الأحق بالحضانة من الزوجين بعد الطلاق الفتويين رقم: 46999، ورقم: 2011، وما أحالتا عليه.

وعلى الإنسان أن يحافظ على فرائض الله من صلاة وصيام وغير ذلك، وأن يجتهد في فعل النوافل والقربات وأن يكثر من ذكر الله سبحانه، ويلزم أذكار الصباح والمساء والنوم وغيرها من الأذكار، فهذا - إن شاء الله - عاصم له من شرور السحرة وكيد الشياطين.

للفائدة يرجى مراجعة هاتين الفتويين: 59391، 76852.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني