الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يتملك الابن ما بناه في أرض أبيه في حياته بعد موت الأب أم يدخل في التركة

السؤال

والدي توفي منذ شهر- رحمه الله تعالى- وعنده عمارة يسكنها أحد أبنائه، أي إنه يسكن في أملاك الوالد في شقة في الطابق الثالث منذ 16 سنة، ولا يدفع الإيجار لوالدي. ومنذ عشر سنوات قام ببناء الشقة على الطابق الرابع، وقد قام ببنائها من ماله الخاص، وفتح الشقة في الطابق الرابع على الشقة التي في الطابق الثالث، أصبح نظاما أمريكيا أي إنه سكن في الشقتين، وقام ببنائهما على نفقة الابن الخاصة بقيمة 14ألف دينار أردني، ولغاية الآن ما زال يسكن في الشقتين. واعلموا أن والدي في حياته وهبه قطعة أرض، وسيارة دون أي مقابل دون أن يعطي أولاده الآخرين نفس الشيء، مع العلم أنه عنده ست بنات، وثلاثة أولاد آخرين، والابن يطالبنا الآن بأن ندفع له 14 ألف دينار، مع العلم أن كامل العمارة باسم الوالد وليس باسم الابن.
فما حكم الشرع في ذلك؟؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإذا كان والدكم لم يعط بقية أولاده مثل ما أعطى لهذا الابن من السيارة، وقطعة الأرض، فإن ذلك ينفذ عند الجمهور مع استحباب رد العطية للتركة، وأوجب بعضهم الرد وهو رواية للحنابلة، اختارها بعض المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية.
قال ابن قدامة في الشرح الكبير: إذا فاضل بين ولده في العطايا، أو خص بعضهم بعطية ثم مات قبل أن يسترده، ثبت ذلك للموهوب له، ولزم، وليس لبقية الورثة الرجوع. هذا المنصوص عن أحمد في رواية محمد بن الحكم، والميموني، واختاره الخلال، وصاحبه أبو بكر، وبه قال مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي وأكثر أهل العلم وهو الذي ذكره الخرقي؛ لأنها عطية لولده، فلزمت بالموت كما لو انفرد، ولأنه حق للأب يتعلق بمال الولد فسقط بموته كالأخذ من ماله. انتهى منه باختصار.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله: يجب عليه أن يرد ذلك في حياته كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وإن مات ولم يرده، رد بعد موته على أصح القولين أيضا، طاعة لله ولرسوله، واتباعا للعدل الذي أمر به، واقتداء بأبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ ولا يحل للذي فضل أن يأخذ الفضل، بل عليه أن يقاسم إخوته في جميع المال بالعدل الذي أمر الله به. انتهى.

وراجع الفتوى رقم: 189145.
وأما الشقة التي بناها الابن في الطابق الرابع من ماله الخاص في حياة أبيه، فإن كان الأب وهب له السطح ليبني عليه، أو كان العرف جاريا بأن الإذن بالبناء هبة، فتكون الشقة للابن، ويقال في هذه الهبة ما قيل في الهبات الأخرى، كما سبق، أي أنه يستحب أن يردها ويجعلها في التركة، وقيل يجب.

وإن كان لم يهبه، ولكن أعاره، أو أذن له في البناء من غير تمليك، فهذه عارية تنتهي بموت الأب، ويكون للابن قيمة ما بناه منقوضا لا قائما، كما فصلناه في الفتويين التاليتين: 145779، 157969.

وهذا مذهب المالكية، فقد نقل المواق في التاج والإكليل عن ابن مزين أنه قال: من قال لابنه: اعمل في هذا المكان جناناً، أو ابن فيه داراً، ففعل الابن في حياة أبيه، وصار الأب يقول: جنان ابني ـ فإن القاعة لا يملكها الابن بذلك، وتورث عن الأب، وليس للابن إلا قيمة عمله منقوضاً. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني