الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التنازل عن الميراث لمن عنده أبناء بسبب اعتقاده عدم استحقاق أخذ تعب المورث

السؤال

ما حكم من ترغب بالتنازل عن ميراثها الشرعي؛ لأنها ترى أنها لا تستحقّ أخذ تعب وشقاء الموروث منه؟ وهل يجوز التنازل عن الميراث دون سبب؟ وهل يأثم من تنازل عن ميراثه وله أبناء؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالله عزّ وجلّ قد تولّى بنفسه قَسْم الميراث، فنصّ القرآن الكريم على الورثة، وأنصبتهم؛ فلا حاجة بعد ذلك لنظر المرء في استحقاق نفسه، أو استحقاق غيره من الميراث؛ ولذلك قال تعالى بعد بيان نصيب الآباء والأبناء من التركة: آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا. [النساء:11]، قال الواحدي في التفسير الوسيط: أي: إنكم لا تدرون أي هؤلاء أنفع لكم في الدنيا، فتعطونه من الميراث ما يستحقّ، ولكن الله تعالى قد فرض الفرائض على ما هو عنده حكمه منه، ولو وكَّل ذلك إليكم لم تعلموا أيهم أنفع لكم؛ فأفسدتم، وضيّعتم، وهذا معنى قوله: {فريضة من الله إن الله كان عليمًا حكيمًا}. اهـ.

وقال السعدي في تفسيره: لو ردّ تقدير الإرث إلى عقولكم واختياركم، لحصل من الضرر ما الله به عليم؛ لنقص العقول، وعدم معرفتها بما هو اللائق الأحسن في كل زمان ومكان، فلا يدرون أي الأولاد أو الوالدين أنفع لهم، وأقرب لحصول مقاصدهم الدينية، والدنيوية. اهـ.

وقال سبحانه بعد بيان نصيب الإخوة والأخوات: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النساء:176]، قال ابن كثير في تفسيره: {يبين الله لكم} أي: يفرض لكم فرائضه، ويحدّ لكم حدوده، ويوضح لكم شرائعه.

وقوله: {أن تضلوا} أي: لئلا تضلوا عن الحق بعد البيان {والله بكل شيء عليم} أي: هو عالم بعواقب الأمور، ومصالحها، وما فيها من الخير لعباده، وما يستحقّه كل واحد من القرابات؛ بحسب قربه من المتوفى. اهـ.

ثم إن قول السائلة: (لأنها ترى أنها لا تستحقّ أخذ تعب وشقاء الموروث منه) قول عجيب؛ فإن المورث قد مات وترك ماله من بعده، وسيأخذه غيره على أية حال!

وأما مسألة التنازل عن الميراث، فلها حكم غيرها من أنواع التبرّعات، كالصدقة، والهبة، والهدية، وقد سبق لنا بيان الفرق بينها في الفتوى: 161289.

والتبرّع بالمال لا يحرم، إلا إذا كان سببًا في ضياع حق واجب! ولذلك نص كثير من أهل العلم على حرمة الصدقة إذا ترتب عليها فَقْد ما يحتاج ‌إليه المتصدّق في قضاء دَينه، أو كفايته، وكفاية من تلزمه نفقته، قال أبو إسحاق الشيرازي في «التنبيه»: يستحبّ الصدقة في جميع الأوقات ...

ولا يحلّ ذلك ‌لمن ‌هو ‌محتاج ‌إلى ‌ما ‌يتصدّق به في كفايته، وكفاية من تلزمه كفايته، أو في قضاء دَينه. اهـ.

وقال النووي في (منهاج الطالبين): الأصحّ تحريم صدقته بما يحتاج إليه لنفقة من تلزمه نفقته، أو لدَين لا يرجو له وفاء. اهـ.

وقال ابن قدامة في «المغني»: فإن ‌تصدّق ‌بما ‌ينقص من كفاية من تلزمه مؤنته، ولا كسب له؛ أثم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت"، ولأن نفقة من يمونه واجبة، والتطوّع نافلة، وتقديم النفل على الواجب غير جائر.

فإن كان الرجل وحده، أو كان لمن يمون كفايتهم، فأراد الصدقة بجميع ماله، وكان ذا مكسب، أو كان واثقًا من نفسه يحسن التوكّل، والصبر على الفقر، والتعفّف عن المسألة، فحسن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الصدقة، فقال: "جهد من مُقِلّ، إلى فقير في السر". اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني