الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا طاعة للأم في قطع الأرحام

السؤال

لديّ أعمام وخالات، ويعيشون في محافظة أخرى، وإذا اتصلت على جميعهم "بالهاتف"، فأمي تغضب عليّ، وقالت لي: إنها ستتبرأ منّي إن تواصلت معهم، وقد تحدث مشاكل تؤثر عليَّ وعلى إخوتي، وعلى دراستنا.
فهل يجوز تأخير صلة الرحم إلى أن أكبر أكثر، إذا كان يغلب على ظني أنه ستحدث مشاكل عند صلتهم؟
وأرجو أن يكون الجواب واضحًا وليس جوابًا عامًا؛ لأنني سألت أكثر من مرة، وكان الجواب: "صلهم دون علم أمك" ونحو ذلك.
لكن سؤالي هو: هل يجوز التأخير إن كان يغلب على ظني حدوث المشاكل سواء بعلم أمي، أو بغير علمها.
للعلم أنا ليست لدي مشكلة شخصية مع أيّ أحد منهم، لكن منهم من لا تتواصل أمي معه، وتغضب علينا إذا فعلنا أيّ نوع من الصلة معه.
الأمر مهم، والفعل الواحد قد يؤثر عليّ وعلى إخوتي.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله -تعالى- أن يعينك على طاعته، وبر والديك.

ولتعلم أن صلة الرحم من أوجب الواجبات، وقطيعتها من أشنع المنكرات؛ قال الله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ {محمد:22-23}.

وقال تعالى: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ {الرعد:21}.

قال الطبري في تفسيره: والذين يصلون الرَّحم التي أمرهم الله بوصلها، فلا يقطعونها (ويخشون ربهم)، يقول: ويخافون الله في قطْعها أن يقطعوها، فيعاقبهم على قطعها، وعلى خلافهم أمرَه فيها. انتهى.

ولا شك أن حق الأم، وبرها، وطاعتها -فيما لا إثم فيه- من آكد الواجبات، وأعظم القربات، ولكن طاعة الله ورسوله فوق كل طاعة، وكل اعتبار؛ فلا تجوز طاعتها في قطع الرحم.

فعليك أن تنصح أمك بلين ورفق واحترام، وتبين لها فضل صلة الرحم، وخطورة قطيعتها.

وينبغي أن تسعى في إزالة سبب القطيعة بين أمك وأخوالك وأعمامك، وتبذل كل ما تستطيع في الإصلاح بينهم؛ لتجمع بذلك بين الحسنيين: صلة الرحم، وإصلاح ذات البين.

وعليك أن تصل أعمامك وخالاتك بالهاتف، وبغيره من وسائل الاتصال، وبكل ما تستطيع من أنواع الصلة بدون علم أمك، وبطريقة لا تغضبها.

ولتعلم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإنما الطاعة في المعروف. كما جاء في الصحيحين مرفوعا.

وأما قولك: "فهل يجوز تأخير صلة الرحم .." فجوابه أن صلة الرحم ليس لها وقت محدد في الشرع، ولكن لا يجوز للمكلف أن يؤخر ما فرض الله عليه منها حسب العرف، بحيث يعتبر التأخير هجرا أو قطيعة.

فالقاعدة عند العلماء أن كل ما جاء في الشرع من غير تحديد، يرجع في تحديده إلى العرف كما قال بعضهم:

وكُلُّ ما أتى ولم يُحَدّدِ * في الشرع، كالحِرزِ فبالعُرْف احْدُدِ

وللمزيد من الفائدة والتفصيل، انظر الفتاوى: 110513، 255637، 166661.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني