الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مقصود المؤلف وسببه وفضل مذهب الشافعي

432 - قال الشيخ الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي غفر الله له ولوالديه: هذه فصول قدمتها فيما انتهى إلينا من مذهب أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله - في الأصول ، وما انتشر من شرف أصله، وكبر محله في أنواع العلوم ولكل فصل منها كتاب مشتمل على ما قال وقيل فيه ، وإنما أشرت في هذا الكتاب إلى ما يظهر منه مرادي ، ويتضح به مقصودي ، وهو.

433 - أني منذ نشأت وابتدأت في طلب العلم أكتب أخبار سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلى آله أجمعين ، وأجمع آثار الصحابة الذين كانوا أعلام الدين ، وأسمعها ممن حملها ، وأتعرف أحوال رواتها من حفاظها ، وأجتهد في تمييز صحيحها من سقيمها ، ومرفوعها من موقوفها ، وموصولها من مرسلها.

434 - ثم أنظر في كتب هؤلاء الأئمة الذين قاموا بعلم الشريعة وبنى كل واحد منهم مذهبه على مبلغ علمه من الكتاب والسنة ، فأرى كل واحد منهم رضي الله عنهم جمعيهم قصد قصد الحق فيما تكلف واجتهد في أداء ما كلف ، وقد وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح عنه لمن اجتهد فأصاب أجرين ولمن اجتهد فأخطأ أجرا واحدا ، ولا يكون الأجر على الخطأ وإنما يكون على ما تكلف من الاجتهاد ، ويرفع عنه إثم الخطأ بأنه إنما كلف الاجتهاد في الحكم على الظاهر دون الباطن ، ولا يعلم الغيب إلا الله عز وجل ، [ ص: 213 ] .

435 - وقد نظر في القياس فأداه القياس إلى غير ما أدى إليه صاحبه كما يؤديه الاجتهاد في القبلة إلى غير ما يؤدي إليه صاحبه ، فلا يكون المخطئ منهما عين المطلوب بالاجتهاد مأخوذا إن شاء الله بالخطأ ، ويكون مأجورا إن شاء الله على ما تكلف من الاجتهاد.

436 - ونحن نرجو أن لا يؤخذ على واحد منهم أنه خالف كتابا نصا ولا سنة قائمة ولا جماعة ولا قياسا صحيحا عنده ، ولكن قد يجهل الرجل السنة فيكون له قول يخالفها لا أنه عمد خلافها. وقد يغفل المرء ويخطئ في التأويل ، وهذا كله مأخوذ من قول الشافعي رحمه الله ومعناه.

437 - قال الشيخ أحمد: والذي يدل على هذا أني رأيت كل من له من هؤلاء الأئمة رحمهم الله قول يخالف سنة أو أثرا فله أقوال توافق سننا وآثارا ، فلولا أنه غفل عن الحديث الذي خالفه أو عن موضع الحجة منه أو من الكتاب لقال به إن شاء الله كما قال بأمثاله.

438 - وقد قابلت بتوفيق الله تعالى أقوال كل واحد منهم بمبلغ علمي من كتاب الله عز وجل ، ثم بما جمعت من السنن والآثار في الفرائض والنوافل والحلال والحرام والحدود والأحكام ، فوجدت الشافعي رحمه الله أكثرهم اتباعا وأقواهم احتجاجا وأصحهم قياسا وأوضحهم إرشادا. وذلك فيما صنف من الكتب القديمة والجديدة في الأصول والفروع وبأبين بيان وأفصح لسان.

439 - وكيف لا يكون كذلك وقد تبحر أولا في لسان من ختم الله النبوة به وأنزل به القرآن مع كونه عربي اللسان قرشي الدار والنسب من خير قبائل العرب من نسل هاشم والمطلب.

440 - ثم اجتهد في حفظ كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وآثار الصحابة وأقوالهم وأقوال من بعدهم في أحكام الله عز وجل حتى عرف [ ص: 214 ] الخاص من العام ، والمفسر من المجمل ، والفرض من الأدب ، والحتم من الندب ، واللازم من الإباحة ، والناسخ من المنسوخ ، والقوي من الأخبار من الضعيف ، والشاذ منها من المعروف ، والإجماع من الاختلاف.

441 - ثم شبه الفرع المختلف فيه بالأصل المتفق عليه من غير مناقضة منه للبناء الذي أسسه ولا مخالفة منه للأصل الذي أصله ، فخرجت بحمد الله ونعمته أقواله مستقيمة وفتاويه صحيحة.

442 - وكنت قد سمعت من كتبه الجديدة ما كان مسموعا لبعض مشايخنا ، وجمعت من كتبه القديمة ما وقع إلى ناحيتنا.

443 - فنظرت فيها وخرجت بتوفيق الله تعالى مبسوط كلامه في كتبه بدلائله وحججه. على ترتيب مختصر أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني رحمه الله ليرجع إليه إن شاء الله من أراد الوقوف على مبسوط ما اختصره ، وذلك في تسع مجلدات.

444 - سوى ما صنفت في الأصول بالبسط والتفصيل.

التالي السابق


الخدمات العلمية