الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        ولو مات رجل فشهد لولده شهود أنهم لا يعلمون له وارثا سواه فحكم [ ص: 5871 ] له وباع تركة أبيه وتداولته الأملاك أو أعتق أو اتخذ أم ولد ثم قدم من أثبت أنه ولد للميت كان له أن يقوم في نصيبه من ذلك على أحكام الاستحقاق ويأخذه بغير ثمن ولا يفيته شيء مما تقدم، وهذا أصل المذهب وما وجد على غير ذلك فهو خارج عن الأصل فسيد العبد ها هنا كالأخ الطارئ يرد العتق والبياعات وإن كان الأول بوجه شبهة؛ لأن الحكم لم يكن عليه وقيل فيما بيع من المغانم لا يأخذه صاحبه إلا أن يدفع الثمن وإن لم يكن الحكم بالبيع على صاحبه للاختلاف في الأصل؛ لأن غير واحد من أهل العلم رأى أن لا شيء لصاحبه فيه وإن أدركه قبل القسم. وإذا شهد بموت رجل ثم أتى وقد كان الحكم عليه فإن وجد ماله قائما أخذه بعد دفع الثمن.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا تغير بزيادة أو نقصان أو بعتق أو بإيلاد، فقال مالك: ذلك فوت ، وقال أشهب فيما بيع في المقاسم: لا يفيته العتق ولا الإيلاد وله أن يأخذ ذلك ويرد جميع ما أخذه المشتري، وإن كان لا يأخذه إلا أن يدفع الثمن. وعلى هذا يكون للمشهود عليه بالموت أن يأخذه ولا يفيته عتق ولا نماء ولا نقص وإن كان لا يأخذه إلا بعد دفع الثمن؛ لأن حقه في عين ماله فيمكن من أخذه وحق المشتري في الثمن الذي وزن، ومقاله في هذه في الرد أقوى منه فيما بيع في المقاسم وإن كان القياس أن يأخذه بغير ثمن؛ لأن الشبهة التي وقعت للبينة لا تدفع عنهم أنهم أخطأوا أو غلطوا عليه والخطأ عليه لا [ ص: 5872 ] يسقط ملكه.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا تعمدوا الزور، فقال مالك: يرد إليه ماله بغير ثمن وإن كان الأول يحكم عليه. وقال إسماعيل القاضي: لا يرد إليه بخلاف أن يكون بغير حكم. وقال محمد فيمن قام على غائب بدين وأثبته وبيع له بماله ثم أثبت الغائب أنه كان قضى له ذلك الدين، قال: ليس له أن يأخذه إلا بالثمن . وعلى أصل مالك له أن يأخذه بغير ثمن؛ لأن القائم بالدين متعمد بالباطل فأشبه من شهد بالزور. وقال فيمن باع ورثته تركته وعليه دين: فإن علموا رد الغرماء بيعهم بغير ثمن مثل ما تقدم في الذين شهدوا بزور، واختلف إذا لم يعلموا فقال مالك: البيع ماض ولا رد للغرماء . وفرقوا بينه وبين الذين شهدوا بموته؛ لأن ذلك مستحق لأعيان سلعته والغرماء حقهم في ذمة الميت فليس كالمستحق لأعيان السلع. وقال غيره في كتاب الجنايات: للغرماء رد ذلك ما لم يفت بعتق أو اتخاذ أم ولد، وإنما لهم الثمن إن وجدوه، وإلا اتبعوا به من أخذه .

                                                                                                                                                                                        وأما الزوجة فسوى مالك بين الذين شهدوا بزور أو شبه عليهم بخلاف المال؛ لأنه يصح زوال الملك إذا بيع بوجه شبهة ولا يصح أن تمضي زوجة رجل لآخر إذا تزوجها بشبهة من غير طلاق من الأول وليست كزوجة المفقود؛ لأن الحكم كان لها لأجل قيامها بالضرر مع إمكان أن يكون حيا ولهذا [ ص: 5873 ] طلق عليه ولم يقسم ماله والآخر قيم بموته ليقسم ماله وليس القصد الطلاق وإنما الحكم بالموت يوجب لها أن تتزوج وليس لأنه تترقب حياته.

                                                                                                                                                                                        وفي المجموعة: في امرأة جعل لها زوجها إن غاب سنة فأمرها بيدها، فغاب عنها سنة، فاختارت نفسها وتزوجت، ثم قدم زوجها فأثبت البينة أنه قدم قبل السنة، قال: ترد إلى زوجها وتنزع من الزوج الآخر وإن دخل بها، فلم يجعل التزويج والدخول فوتا؛ لأن التعدي منها وهي بمنزلة من باع سلعة ثم تعدى فباعها من آخر أنها ترد إلى الأول.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية