الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ بدد ]

                                                          بدد : التبديد : التفريق ; يقال : شمل مبدد . وبدد الشيء فتبدد : فرقه فتفرق . وتبدد القوم إذا تفرقوا . وتبدد الشيء : تفرق . وبده يبده بدا : فرقه . وجاءت الخيل بداد أي متفرقة متبددة ; قال حسان بن ثابت ، وكان عيينة بن حصن بن حذيفة أغار على سرح المدينة فركب في طلبه ناس من الأنصار ، منهم أبو قتادة الأنصاري والمقداد بن الأسود الكندي حليف بني زهرة ، فردوا السرح ، وقتل رجل من بني فزارة يقال له الحكم بن أم قرفة جد عبد الله بن مسعدة ; فقال حسان :


                                                          هل سر أولاد اللقيطة أننا سلم ، غداة فوارس المقداد ؟     كنا ثمانية ، وكانوا جحفلا
                                                          لجبا ، فشلوا بالرماح بداد



                                                          أي متبددين . وذهب القوم بداد بداد أي واحدا واحدا ، مبني على الكسر لأنه معدول عن المصدر ، وهو البدد . قال عوف بن الخرع التيمي ، واسم الخرع عطية ، يخاطب لقيط بن زرارة وكان بنو عامر أسروا معبدا أخا لقيط وطلبوا منه الفداء بألف بعير ، فأبى لقيط أن يفديه وكان لقيط قد هجا تيما وعديا ; فقال عوف بن عطية التيمي يعيره بموت أخيه معبد في الأسر :


                                                          هلا فوارس رحرحان هجوتهم     عشرا ، تناوح في سرارة وادي
                                                          أي لهم منظر وليس لهم مخبر     ألا كررت على ابن أمك معبد
                                                          والعامري يقوده بصفاد     وذكرت من لبن المحلق شربة
                                                          والخيل تعدو في الصعيد بداد



                                                          وتفرق القوم بداد أي متبددة ; وأنشد أيضا :

                                                          فشلوا بالرماح بداد .

                                                          قال الجوهري : وإنما بني للعدل والتأنيث والصفة فلما منع بعلتين من الصرف بني بثلاث لأنه ليس بعد المنع من الصرف إلا منع الإعراب ; وحكى اللحياني : جاءت الخيل بداد بداد يا هذا ، وبداد بداد وبدد بدد كخمسة عشر ، وبددا بددا على المصدر ، وتفرقوا بددا . وفي الدعاء : اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ; قال ابن الأثير : يروى بكسر الباء ، جمع بدة وهي الحصة والنصيب ، أي اقتلهم حصصا مقسمة لكل واحد حصته ونصيبه ، ويروى بالفتح ، أي متفرقين في القتل واحدا بعد واحد من التبديد . وفي حديث خالد بن سنان : أنه انتهى إلى النار وعليه مدرعة صوف فجعل يفرقها بعصاه ويقول : بدا بدا أي تبددي وتفرقي ; يقال : بددت بدا وبددت تبديدا ; وهذا خالد هو الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم : نبي ضيعه قومه . والعرب تقول : لو كان البداد لما أطاقونا ، البداد ، بالفتح : البراز ; يقول : لو بارزونا ، رجل لرجل ; قال : فإذا طرحوا الألف واللام خفضوا فقالوا يا قوم بداد بداد مرتين أي ليأخذ كل رجل رجلا . وقد تباد القوم يتبادون إذا أخذوا أقرانهم . ويقال أيضا : لقوا قوما أبدادهم ولقيهم قوم أبدادهم أي أعدادهم لكل رجل رجل . الجوهري : قولهم في الحرب يا قوم بداد بداد أي ليأخذ كل رجل قرنه ، وإنما بني هذا على الكسر لأنه اسم لفعل الأمر وهو مبني ، ويقال إنما كسر لاجتماع الساكنين لأنه واقع موقع الأمر . والبديدة : التفرق ; وقوله أنشده ابن الأعرابي :


                                                          بلغ بني عجب ، وبلغ مأربا     قولا يبدهم ، وقولا يجمع



                                                          فسره فقال : يبدهم يفرق القول فيهم ; قال ابن سيده : ولا أعرف في الكلام أبددته فرقته . وبد رجليه في المقطرة : فرقهما . وكل من فرج رجليه ، فقد بدهما ; قال :


                                                          جارية ، أعظمها أجمها     قد سمنتها بالسويق أمها
                                                          فبدت الرجل فما تضمها



                                                          وهذا البيت في التهذيب :


                                                          جارية يبدها أجمها



                                                          وذهبوا عباديد يباديد وأباديد أي فرقا متبددين . الفراء : طير أباديد ويباديد أي مفترق ; وأنشد :


                                                          كأنما أهل حجر ، ينظرون متى     يرونني خارجا ، طير يباديد



                                                          ويقال : لقي فلان وفلان فلانا فابتداه بالضرب أي أخذاه من ناحيتيه . والسبعان يبتدان الرجل إذا أتياه من جانبيه . والرضيعان التوأمان يبتدان أمهما : يرضع هذا من ثدي وهذا من ثدي . ويقال : لو أنهما لقياه بخلاء فابتداه لما أطاقاه ; ويقال : لما أطاقه أحدهما ، وهي المبادة ، ولا تقل : ابتدها ابنها ولكن ابتدها ابناها . ويقال : إن رضاعها لا يقع منهما موقعا فأبدهما تلك النعجة الأخرى ; فيقال : قد أبددتهما . ويقال في السخلتين : أبدهما نعجتين أي اجعل لكل واحد منهما نعجة ترضعه إذا لم تكفهما نعجة واحدة ; وفي حديث وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم : فأبد بصره إلى السواك أي أعطاه بدته من النظر أي حظه ; ومنه حديث ابن عباس : دخلت على عمر وهو يبدني النظر استعجالا بخبر ما بعثني إليه . وفي حديث عكرمة : فتبددوه بينهم أي اقتسموه حصصا على السواء . والبدد : تباعد ما بين الفخذين في الناس من كثرة لحمهما ، وفي ذوات الأربع في اليدين . ويقال للمصلي : أبد ضبعيك ; وإبدادهما تفريجهما في السجود ، ويقال : [ ص: 35 ] أبد يده إذا مدها ; الجوهري : أبد يده إلى الأرض مدها ; وفي الحديث : أنه كان يبد ضبعيه في السجود أي يمدهما ويجافيهما .

                                                          ابن السكيت : البدد في الناس تباعد ما بين الفخذين من كثرة لحمهما ، تقول منه : بددت يا رجل ، بالكسر ، فأنت أبد ; وبقرة بداء . والأبد : الرجل العظيم الخلق ; والمرأة بداء ; قال أبو نخيلة السعدي :


                                                          من كل ذات طائف وزؤد     بداء ، تمشي مشية الأبد



                                                          والطائف : الجنون . والزؤد : الفزع . ورجل أبد : متباعد اليدين عن الجنبين ; وقيل : بعيد ما بين الفخذين مع كثرة لحم ; وقيل : عريض ما بين المنكبين ; وقيل : العظيم الخلق متباعد بعضه من بعض ، وقد بد يبد بددا . والبداء من النساء : الضخمة الإسكتين المتباعدة الشفرين ; وقيل : البداء المرأة الكثيرة لحم الفخذين ; قال الأصمعي : قيل لامرأة من العرب : علام تمنعين زوجك القضة ؟ قالت : كذب والله ! إني لأطأطئ له الوساد وأرخي له الباد ; تريد أنها لا تضم فخذيها ; وقال الشاعر :


                                                          جارية يبدها أجمها     قد سمنتها بالسويق أمها



                                                          وقيل للحائك : إبد ; لتباعد ما بين فخذيه ، والحائك أبد أبدا . ورجل أبد وفي فخذيه بدد أي طول مفرط . قال ابن الكلبي : كان دريد بن الصمة قد برص باداه من كثرة ركوبه الخيل أعراء ; وباداه : ما يلي السرج من فخذيه ; وقال القتيبي : يقال لذلك الموضع من الفرس : باد . وفرس أبد بين البدد أي بعيد ما بين اليدين ; وقيل : هو الذي في يديه تباعد عن جنبيه ، وهو البدد . وبعير أبد : وهو الذي في يديه فتل ; وقال أبو مالك : الأبد الواسع الصدر . والأبد الزنيم : الأسد ، وصفوة بالأبد لتباعد في يديه ، وبالزنيم لانفراده . وكتف بداء : عريضة متباعدة الأقطار . والبادان : باطنا الفخذين . وكل من فرج بين رجليه ، فقد بدهما ; ومنه اشتقاق بداد السرج والقتب ، بكسر الباء ، وهما بدادان وبديدان ، والجمع بدائد وأبدة ; تقول : بد قتبة يبده وهو أن يتخذ خريطتين فيحشوهما فيجعلهما تحت الأحناء ; لئلا يدبر الخشب البعير . والبديدان : الخرجان . ابن سيده : الباد باطن الفخذ ; وقيل : الباد ما يلي السرج من فخذ الفارس ; وقيل : هو ما بين الرجلين ; ومنه قول الدهناء بنت مسحل : إني لأرخي له بادي ; قال ابن الأعرابي : سمي بادا لأن السرج بدهما أي فرقهما ، فهو على هذا فاعل في معنى مفعول ، وقد يكون على النسب ; وقد ابتداه . وفي حديث ابن الزبير : أنه كان حسن الباد إذا ركب ; الباد أصل الفخذ ; والبادان أيضا من ظهر الفرس : ما وقع عليه فخذا الراكب ، وهو من البدد تباعد ما بين الفخذين من كثرة لحمهما . والبدادان للقتب : كالكر للرحل غير أن البدادين لا يظهران من قدام الظلفة ، إنما هما من باطن ، والبداد للسرج : مثله للقتب . والبداد : بطانة تحشى وتجعل تحت القتب وقاية للبعير ألا يصيب ظهره القتب ، ومن الشق الآخر مثله ، وهما محيطان مع القتب والجديات من الرحل شبيه بالمصدعة ، يبطن به أعالي الظلفات إلى وسط الحنو ; قال أبو منصور : البدادان في القتب شبه مخلاتين يحشيان ويشدان بالخيوط إلى ظلفات القتب وأحنائه ، ويقال لها : الأبدة ، واحدها بد والاثنان بدان ، فإذا شدت إلى القتب ، فهي مع القتب حداجة حينئذ . والبداد : لبد يشد مبدودا على الدابة الدبرة . وبد عن دبرها أي شق ، وبد صاحبه عن الشيء : أبعده وكفه . وبد الشيء يبده بدا : تجافى به . وامرأة متبددة : مهزولة بعيدة بعضها من بعض . واستبد فلان بكذا أي انفرد به ; وفي حديث علي - رضوان الله عليه : كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقا فاستبددتم علينا ; يقال : استبد بالأمر يستبد به استبدادا إذا انفرد به دون غيره . واستبد برأيه : انفرد به . وما لك بهذا بدد ولا بدة ولا بدة أي ما لك به طاقة ولا يدان . ولا بد منه أي لا محالة ، وليس لهذا الأمر بد أي لا محالة . أبو عمرو : البد الفراق ، تقول : لا بد اليوم من قضاء حاجتي أي لا فراق منه ; ومنه قول أم سلمة : إن مساكين سألوها فقالت : يا جارية ، أبديهم تمرة تمرة أي فرقي فيهم وأعطيهم . والبدة ، بالكسر : القوة . والبد والبد والبدة ، بالكسر ، والبدة ، بالضم ، والبداد : النصيب من كل شيء ; الأخيرتان عن ابن الأعرابي ; وروى بيت النمر بن تولب :


                                                          فمنحت بدتها رقيبا جانحا



                                                          قال ابن سيده : والمعروف بدأتها ، وجمع البدة بدد ، وجمع البداد بدد ; كل ذلك عن ابن الأعرابي . وأبد بينهم العطاء وأبدهم إياه : أعطى كل واحد منهم بدته أي نصيبه على حدة ، ولم يجمع بين اثنين يكون ذلك في الطعام والمال وكل شيء ; قال أبو ذؤيب يصف الكلاب والثور :


                                                          فأبدهن حتوفهن : فهارب     بذمائه ، أو بارك متجعجع



                                                          قيل : إنه يصف صيادا فرق سهامه في حمر الوحش ، وقيل : أي أعطى هذا من الطعن مثل ما أعطى هذا حتى عمهم . أبو عبيد : الإبداد في الهبة أن تعطي واحدا واحدا ، والقران أن تعطي اثنين اثنين . وقال رجل من العرب : إن لي صرمة أبد منها وأقرن . الأصمعي : يقال : أبد هذا الجزور في الحي ، فأعط كل إنسان بدته أي نصيبه ; وقال ابن الأعرابي : البدة القسم ; وأنشد :


                                                          فمنحت بدتها رفيقا جامحا     والنار تلفح وجهه بأوارها



                                                          أي أطعمته بعضها أي قطعة منها . ابن الأعرابي : البداد أن يبد المال القوم فيقسم بينهم ، وقد أبددتهم المال والطعام ، والاسم البدة والبداد . والبدد جمع البدة ، والبدد جمع البداد ; وقول عمر بن أبي ربيعة :


                                                          أمبد سؤالك العالمينا



                                                          قيل : معناه أمقسم أنت سؤالك على الناس واحدا واحدا حتى تعمهم ; وقيل : معناه أملزم أنت سؤالك الناس من قولك : ما لك منه بد . والمبادة في السفر : أن يخرج كل إنسان شيئا من النفقة ثم يجمع [ ص: 36 ] فينفقونه بينهم ، والاسم منه البداد ، والبداد لغة ; قال القطامي :


                                                          فثم كفيناه البداد ، ولم نكن     لننكده عما يضن به الصدر



                                                          ويروى البداد ، بالكسر . وأنا أبد بك عن ذلك الأمر أي أدفعه عنك . وتباد القوم : مروا اثنين اثنين يبد كل واحد منهما صاحبه . والبد : التعب . وبدد الرجل : أعيا وكل ; عن ابن الأعرابي ; وأنشد :


                                                          لما رأيت محجما قد بددا     وأول الإبل دنا فاستوردا
                                                          دعوت عوني ، وأخذت المسدا



                                                          وبيني وبينك بدة : أي غاية ومدة . وبايعه بددا وباده مبادة : كلاهما عارضه بالبيع ; وهو من قولك : هذا بده وبديده أي مثله . والبد : العوض . ابن الأعرابي : البداد والعداد المناهدة . وبدد : تعب . وبدد إذا أخرج نهده . والبديد : النظير ; يقال : ما أنت ببديد لي فتكلمني . والبدان : المثلان . ويقال : أضعف فلان على فلان بد الحصى أي زاد عليه عدد الحصى ; ومنه قول الكميت :


                                                          من قال : أضعفت أضعافا على هرم     في الجود ، بد الحصى ، قيلت له : أجل



                                                          وقال ابن الخطيم :


                                                          كأن لباتها تبددها     هزلى جراد ، أجوافه جلف



                                                          يقال : تبدد الحلى صدر الجارية إذا أخذه كله . ويقال : بدد فلان تبديدا إذا نعس وهو قاعد لا يرقد . والبديدة : المفازة الواسعة . والبد : بيت فيه أصنام وتصاوير ، وهو إعراب بت بالفارسية ; قال :


                                                          لقد علمت تكاترة ابن تيري     غداة البد ، أني هبرزي



                                                          وقال ابن دريد : البد الصنم نفسه الذي يعبد ، لا أصل له في اللغة ، فارسي معرب ، والجمع البددة . وفلاة بديد : لا أحد فيها . والرجل إذا رأى ما يستنكره فأدام النظر إليه يقال : أبده بصره . ويقال : أبد فلان نظره إذا مده ، وأبددته بصري . وأبددت يدي إلى الأرض فأخذت منها شيئا أي مددتها . وفي حديث يوم حنين : أن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبد يده إلى الأرض فأخذ قبضة أي مدها . وبدبد : موضع ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية