الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ بضع ]

                                                          بضع : بضع اللحم يبضعه بضعا وبضعه تبضيعا : قطعه ، والبضعة : القطعة منه ، تقول : أعطيته بضعا من اللحم إذا أعطيته قطعة مجتمعة ، هذه بالفتح ، ومثلها الهبرة ، وأخواتها بالكسر ، مثل القطعة والفلذة والفدرة والكسفة والخرقة وغير ذلك مما لا يحصى . وفلان بضعة من فلان : يذهب به إلى الشبه ، وفي الحديث : فاطمة بضعة مني ، من ذلك ، وقد تكسر أي إنها جزء مني كما أن القطعة من اللحم ، والجمع بضع مثل تمرة وتمر ، قال زهير :


                                                          أضاعت فلم تغفر لها غفلاتها فلاقت بيانا عند آخر معهد     دما عند شلو تحجل الطير حوله
                                                          وبضع لحام في إهاب مقدد .



                                                          وبضعة وبضعات مثل تمرة وتمرات ، وبعضهم يقول : بضعة وبضع مثل بدرة وبدر ، وأنكره علي بن حمزة على أبي عبيد وقال : المسموع بضع لا غير ، وأنشد :


                                                          ندهدق بضع اللحم للباع والندى     وبعضهم تغلي بذم مناقعه .



                                                          وبضعة وبضاع مثل صحيفة وصحاف ، وبضع وبضيع ، وهو نادر ، ونظيره الرهين جمع الرهن . والبضيع أيضا : اللحم . ويقال : دابة كثيرة البضيع ، والبضيع : ما انماز من لحم الفخذ ، الواحد بضيعة . ويقال : رجل خاظي البضيع ، قال الشاعر :


                                                          خاظي البضيع لحمه خظا بظا .



                                                          قال ابن بري : ويقال : ساعد خاظي البضيع أي ممتلئ اللحم ، قال : ويقال في البضيع اللحم إنه جمع بضع مثل كلب وكليب ، قال الحادرة :


                                                          ومناخ غير تبيئة عرسته     قمن من الحدثان ، نابي المضجع
                                                          عرسته ، ووساد رأسي ساعد     خاظي البضيع ، عروقه لم تدسع .



                                                          أي عروق ساعده غير ممتلئة من الدم لأن ذلك إنما يكون للشيوخ . وإن فلانا لشديد البضعة حسنها : إذا كان ذا جسم وسمن ، وقوله :


                                                          ولا عضل جثل كأن بضيعه     يرابيع ، فوق المنكبين ، جثوم .



                                                          يجوز أن يكون جمع بضعة وهو أحسن لقوله : يرابيع ، ويجوز أن يكون اللحم . وبضع الشيء يبضعه : شقه . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - أنه ضرب رجلا أقسم على أم سلمة ثلاثين سوطا كلها تبضع وتحدر أي تشق الجلد وتقطع ، وتحدر الدم ، وقيل : تحدر تورم . والبضعة : السياط ، وقيل : السيوف ، واحدها باضع ، قال الراجز :


                                                          وللسياط بضعه .



                                                          قال الأصمعي : يقال : سيف باضع : إذا مر بشيء بضعه أي قطع منه بضعة ، وقيل : يبضع كل شيء يقطعه ، وقال :


                                                          مثل قدامى النسر ما مس بضع .



                                                          وقول أوس بن حجر يصف قوسا :


                                                          ومبضوعة من رأس فرع شظية .



                                                          [ ص: 99 ] يعني قوسا بضعها أي قطعها . والباضع في الإبل : مثل الدلال في الدور ، والباضعة من الشجاج : التي تقطع الجلد وتشق اللحم تبضعه بعد الجلد وتدمي إلا أنه لا يسيل الدم ، فإن سال فهي الدامية ، وبعد الباضعة المتلاحمة ، وقد ذكرت الباضعة في الحديث . وبضعت الجرح : شققته . والمبضع : المشرط ، وهو ما يبضع به العرق والأديم . وبضع من الماء وبه يبضع بضوعا وبضعا : روي وامتلأ ، وأبضعني الماء : أرواني . وفي المثل : حتى متى تكرع ولا تبضع ؟ وربما قالوا : سألني فلان عن مسألة فأبضعته إذا شفيته ، وإذا شرب حتى يروى ، قال : بضعت أبضع . وماء باضع وبضيع : نمير . وأبضعه بالكلام وبضعه به : بين له ما ينازعه حتى يشتفي ، كائنا ما كان . وبضع هو يبضع بضوعا : فهم . وبضع الكلام فانبضع : بينه فتبين . وبضع من صاحبه يبضع بضوعا إذا أمره بشيء فلم يأتمر له فسئم أن يأمره بشيء أيضا ، تقول منه : بضعت من فلان ، قال الجوهري : وربما قالوا بضعت من فلان إذا سئمت منه وهو على التشبيه . والبضع : النكاح ، عن ابن السكيت . والمباضعة : المجامعة ، وهي البضاع . وفي المثل : كمعلمة أمها البضاع . ويقال : ملك فلان بضع فلانة إذا ملك عقدة نكاحها ، وهو كناية عن موضع الغشيان ، وابتضع فلان وبضع إذا تزوج . والمباضعة : المباشرة ، ومنه الحديث : وبضعه أهله صدقة أي مباشرته . وورد في حديث أبي ذر - رضي الله عنه - : وبضيعته أهله صدقة ، وهو منه أيضا . وبضع المرأة بضعا وباضعها مباضعة وبضاعا : جامعها ، والاسم البضع وجمعه بضوع ، قال عمرو بن معد يكرب :

                                                          وفي كعب وإخوتها ، كلاب     سوامي الطرف غالية البضوع .



                                                          سوامي الطرف أي متأبيات معتزات . وقوله : غالية البضوع ، كنى بذلك عن المهور اللواتي يوصل بها إليهن ، وقال آخر :


                                                          علاه بضربة بعثت بليل     نوائحه ، وأرخصت البضوعا .



                                                          والبضع : مهر المرأة . والبضع : الطلاق . والبضع : ملك الولي للمرأة ، قال الأزهري : واختلف الناس في البضع فقال قوم : هو الفرج ، وقال قوم : هو الجماع ، وقد قيل : هو عقد النكاح . وفي الحديث : عتق بضعك فاختاري أي صار فرجك بالعتق حرا فاختاري الثبات على زوجك أو مفارقته . وفي الحديث عن أبي أمامة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بلالا فنادى في الناس يوم صبح خيبر : ألا من أصاب حبلى فلا يقربنها فإن البضع يزيد في السمع والبصر أي الجماع ، قال الأزهري : هذا مثل قوله لا يسقي ماؤه زرع غيره ، قال : ومنه قول عائشة في الحديث : وله حصنني ربي من كل بضع ، تعني النبي - صلى الله عليه وسلم - من كل بضع : من كل نكاح ، وكان تزوجها بكرا من بين نسائه . وأبضعت المرأة إذا زوجتها مثل أنكحت . وفي الحديث : تستأمر النساء في إبضاعهن أي في إنكاحهن ، قال ابن الأثير : الاستبضاع نوع من نكاح الجاهلية ، وهو استفعال من البضع الجماع وذلك أن تطلب المرأة جماع الرجل لتنال منه الولد فقط ، كان الرجل منهم يقول لأمته أو امرأته : أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ، ويعتزلها فلا يمسها حتى يتبين حملها من ذلك الرجل ، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد . ومنه الحديث : أن عبد الله أبا النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بامرأة فدعته إلى أن يستبضع منها . وفي حديث خديجة - رضي الله عنها - : لما تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها عمرو بن أسيد ، فلما رآه قال : هذا البضع لا يقرع أنفه ، يريد هذا الكفء الذي لا يرد نكاحه ولا يرغب عنه ، وأصل ذلك في الإبل أن الفحل الهجين إذا أراد أن يضرب كرائم الإبل قرعوا أنفه بعصا أو غيرها ليرتد عنها ويتركها . والبضاعة : القطعة من المال ، وقيل : اليسير منه . والبضاعة : ما حملت آخر بيعه وإدارته . والبضاعة : طائفة من مالك تبعثها للتجارة . وأبضعه البضاعة : أعطاه إياها . وابتضع منه : أخذ والاسم البضاع كالقراض . وأبضع الشيء واستبضعه : جعله بضاعته ، وفي المثل : كمستبضع التمر إلى هجر ، وذلك أن هجر معدن التمر ، قال خارجة بن ضرار :


                                                          فإنك ، واستبضاعك الشعر نحونا     كمستبضع تمرا إلى أهل خيبرا .



                                                          وإنما عدي بإلى لأنه في معنى حامل . وفي التنزيل : وجئنا ببضاعة مزجاة ، البضاعة : السلعة ، وأصلها القطعة من المال الذي يتجر فيه ، وأصلها من البضع وهو القطع ، وقيل : البضاعة جزء من أجزاء المال وتقول : هو شريكي وبضيعي ، وهم شركائي وبضعائي ، وتقول : أبضعت بضاعة للبيع كائنة ما كانت . وفي الحديث : المدينة كالكير تنفي خبثها وتبضع طيبها ، ذكره الزمخشري وقال : هو من أبضعته بضاعة إذا دفعتها إليه ، يعني أن المدينة تعطي طيبها ساكنيها ، والمشهور تنصع ، بالنون والصاد ، وقد روي بالضاد والخاء المعجمتين وبالحاء المهملة ، من النضخ والنضح وهو رش الماء . والبضع والبضع ، بالفتح والكسر : ما بين الثلاث إلى العشر ، وبالهاء من الثلاثة إلى العشرة يضاف إلى ما تضاف إليه الآحاد لأنه قطعة من العدد كقوله - تعالى - : في بضع سنين ; وتبنى مع العشرة كما تبنى سائر الآحاد وذلك من ثلاثة إلى تسعة فيقال : بضعة عشر رجلا وبضع عشرة جارية قال ابن سيده : ولم نسمع بضعة عشر ولا بضع عشرة ولا يمتنع ذلك ، وقيل : البضع من الثلاث إلى التسع ، وقيل من أربع إلى تسع وفي التنزيل : فلبث في السجن بضع سنين ، قال الفراء : البضع ما بين الثلاثة إلى ما دون العشرة ، وقال شمر : البضع لا يكون أقل من ثلاثة ولا أكثر من عشرة ، وقال أبو زيد : أقمت عنده بضع سنين ، وقال بعضهم : بضع سنين ، وقال أبو عبيدة : البضع ما لم يبلغ العقد ولا نصفه ، يريد ما بين الواحد إلى أربعة . ويقال : البضع سبعة ، وإذا جاوزت لفظ العشر ذهب البضع ، لا تقول : بضع وعشرون . وقال أبو زيد : يقال له بضع وعشرون رجلا وله بضع وعشرون امرأة . قال ابن بري : وحكي عن الفراء في قوله : بضع سنين أن البضع لا يذكر إلا مع العشر والعشرين إلى التسعين ولا يقال فيما بعد ذلك ، يعني أنه يقال مائة ونيف ، وأنشد أبو تمام في باب الهجاء [ ص: 100 ] من الحماسة لبعض العرب :


                                                          أقول حين أرى كعبا ولحيته :     لا بارك الله في بضع وستين
                                                          من السنين تملاها بلا حسب     ولا حياء ولا قدر ولا دين !



                                                          وقد جاء في الحديث : بضعا وثلاثين ملكا . وفي الحديث : " صلاة الجماعة تفضل صلاة الواحد ببضع وعشرين درجة " . ومر بضع من الليل أي وقت عن اللحياني . والباضعة : قطعة من الغنم انقطعت عنها ، تقول فرق بواضع . وتبضع الشيء : سال ، يقال : جبهته تبضع وتتبضع أي تسيل عرقا ; وأنشد لأبي ذؤيب :


                                                          تأبى بدرتها ، إذا ما استغضبت     إلا الحميم ، فإنه يتبضع .



                                                          يتبضع : يتفتح بالعرق ويسيل متقطعا ، وكان أبو ذؤيب لا يجيد في وصف الخيل ، وظن أن هذا مما توصف به ، قال ابن بري : يقول تأبى هذه الفرس أن تدر لك بما عندها من جري إذا استغضبتها ; لأن الفرس الجواد إذا أعطاك ما عنده من الجري عفوا فأكرهته على الزيادة حملته عزة النفس على ترك العدو ، يقول : هذه تأبى بدرتها عند إكراهها ولا تأبى العرق ، ووقع في نسخة ابن القطاع : إذا ما استضغبت ، وفسره بفزعت ; لأن الضاغب وهو الذي يختبئ في الخمر ليفزع بمثل صوت الأسد ، والضغاب صوت الأرنب . والبضيع : العرق ، والبضيع : البحر ، والبضيع : الجزيرة في البحر ، وقد غلب على بعضها ، قال ساعدة بن جؤية الهذلي :


                                                          ساد تجرم في البضيع ثمانيا     يلوي بعيقات البحار ويجنب .



                                                          ساد مقلوب من الإسآد وهو سير الليل . تجرم في البضيع أي أقام في الجزيرة ، وقيل : تجرم أي قطع ثماني ليال لا يبرح مكانه ، ويقال للذي يصبح حيث أمسى ولم يبرح مكانه : ساد ، وأصله من السدى وهو المهمل ، وهذا الصحيح . والعيقة : ساحل البحر يلوي بعيقات أي يذهب بما في ساحل البحر . ويجنب أي تصيبه الجنوب ، وقال القتيبي في قول أبي خراش الهذلي :


                                                          فلما رأين الشمس صارت كأنها     فويق البضيع في الشعاع ، خميل .



                                                          قال : البضيع جزيرة من جزائر البحر ، يقول : لما همت بالمغيب رأين شعاعها مثل الخميل وهو القطيفة . والبضيع مصغر : مكان في البحر ، وهو في شعر حسان بن ثابت في قوله :


                                                          أسألت رسم الدار أم لم تسأل     بين الخوابي ، فالبضيع فحومل .



                                                          قال الأثرم : وقيل هو البصيع ، بالصاد غير المعجمة ، قال الأزهري : وقد رأيته وهو جبل قصير أسود على تل بأرض البلسة فيما بين سيل وذات الصنمين بالشام من كورة دمشق ، وقيل : هو اسم موضع ولم يعين . والبضيع والبضيع وباضع : مواضع . وبئر بضاعة التي في الحديث ، تكسر وتضم ، وفي الحديث : أنه سئل عن بئر بضاعة ; قال : هي بئر معروفة بالمدينة ، والمحفوظ ضم الباء ، وأجاز بعضهم كسرها ، وحكي بالصاد المهملة . وفي الحديث ذكر أبضعة ، وهو ملك من كندة بوزن أرنبة ، وقيل : هو بالصاد المهملة . وقال البشتي : مررت بالقوم أجمعين أبضعين ، بالضاد ، قال الأزهري : وهذا تصحيف واضح ، قال أبو الهيثم الرازي : العرب توكد الكلمة بأربعة تواكيد فتقول : مررت بالقوم أجمعين أكتعين أبصعين أبتعين ، بالصاد ، وكذلك روي عن ابن الأعرابي قال : وهو مأخوذ من البصع وهو الجمع .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية