الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ بقع ]

                                                          بقع : البقع والبقعة : تخالف اللون . وفي حديث أبي موسى : فأمر لنا بذود بقع الذرى أي بيض الأسنمة ، جمع أبقع ، وقيل : الأبقع ما خالط بياضه لون آخر . وغراب أبقع : فيه سواد وبياض ، ومنهم من خص فقال : في صدره بياض . وفي الحديث : أنه أمر بقتل خمس من الدواب وعد منها الغراب الأبقع . وكلب أبقع كذلك . وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : يوشك أن يعمل عليكم بقعان أهل الشام ، أي خدمهم وعبيدهم ومماليكهم ; شبههم لبياضهم وحمرتهم أو سوادهم بالشيء الأبقع ، يعني بذلك الروم والسودان . وقال : البقعاء التي اختلط بياضها وسوادها فلا يدرى أيهما أكثر ، وقيل : سموا بذلك لاختلاط ألوانهم فإن الغالب عليها البياض والصفرة ، وقال أبو عبيد : أراد البياض لأن خدم الشام إنما هم الروم والصقالبة فسماهم بقعانا للبياض ، ولهذا يقال للغراب : أبقع ، إذا كان فيه بياض ، وهو أخبث ما يكون من الغربان فصار مثلا لكل خبيث ، وقال غير أبي عبيد : أراد البياض والصفرة ، وقيل لهم : بقعان ; لاختلاف ألوانهم وتناسلهم من جنسين ، وقال القتيبي : البقعان الذين فيهم سواد وبياض ، ولا يقال لمن كان أبيض من غير سواد يخالطه أبقع ، فكيف يجعل الروم بقعانا وهم بيض خلص ؟ قال : وأرى أبا هريرة أراد أن العرب تنكح إماء الروم فتستعمل عليكم أولاد الإماء ، وهم من بني العرب وهم سود ومن بني الروم وهم بيض ولم تكن العرب قبل ذلك تنكح الروم إنما كان إماؤها سودانا ، والعرب تقول : أتاني الأسود والأحمر ، يريدون العرب والعجم ولم يرد أن أولاد الإماء من العرب بقع كبقع الغربان ، وأراد أنهم أخذوا من سواد الآباء وبياض الأمهات . ابن الأعرابي : يقال للأبرص الأبقع والأسلع والأقشر والأصلخ والأعرم والملمع والأذمل ، والجمع بقع . والبقع في الطير والكلاب : بمنزلة البلق في الدواب ، وقول الأخطل :


                                                          كلوا الضب وابن العير ، والباقع الذي يبيت يعس الليل بين المقابر .



                                                          قيل : الباقع الضبع ، وقيل الغراب ، وقيل كلب أبقع ، كل ذلك قد قيل ، وقال ابن بري : الباقع الظربان ، وأورد هذا البيت ، بيت الأخطل . وقالوا للضبع باقع ، ويقال للغراب أبقع ، وجمعه بقعان لاختلاف لونه . ويقال : تشاتما فتقاذفا بما أبقى ابن بقيع ; قال : وابن بقيع الكلب وما أبقى من الجيفة . والأبقع : السراب لتلونه ; قال :


                                                          وأبقع قد أرغت به لصحبي     مقيلا ، والمطايا في براها .



                                                          وبقع المطر في مواضع من الأرض : لم يشملها . وعام أبقع : بقع فيه المطر . وفي الأرض بقع من نبت أي نبذ ، حكاه أبو حنيفة . وأرض بقعة : فيها بقع من الجراد . وأرض بقعة : نبتها متقطع . وسنة بقعاء أي مجدبة ، ويقال فيها خصب وجدب . وبقع الرجل : إذا رمي بكلام قبيح أو بهتان ، وبقع بقبيح : فحش عليه . ويقال : عليه خرء بقاع ، وهو العرق يصيب الإنسان فيبيض على جلده شبه لمع . أبو زيد : أصابه خرء بقاع وبقاع وبقاع يا فتى ، مصروف وغير مصروف ، وهو أن يصيبه غبار وعرق فيبقى لمع من ذلك على جسده . قال : وأرادوا ببقاع أرضا . وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : أنه رأى رجلا مبقع الرجلين وقد توضأ ; يريد به مواضع في رجليه لم يصبها الماء فخالف لونها لون ما أصابه الماء . وفي حديث عائشة : إني لأرى بقع الغسل في ثوبه ; جمع بقعة . وإذا انتضح الماء على بدن المستقي من الركية على العلق فابتل مواضع من جسده قيل : قد بقع ، ومنه قيل للسقاة : بقع ; وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          كفوا سنتين بالأسياف بقعا     على تلك الجفار من النفي .



                                                          السنت : الذي أصابته السنة ، والنفي : الماء الذي ينتضح عليه . والبقعة والبقعة ، والضم أعلى : قطعة من الأرض على غير هيئة التي بجنبها ، والجمع بقع وبقاع . والبقيع : موضع فيه أروم شجر من ضروب شتى ، وبه سمي بقيع الغرقد ، وقد ورد في الحديث ، وهي مقبرة بالمدينة ، والغرقد : شجر له شوك كان ينبت هناك فذهب وبقي الاسم لازما للموضع . والبقيع من الأرض : المكان المتسع ولا يسمى بقيعا إلا وفيه شجر . وما أدري أين سقع وبقع أي أين ذهب كأنه قال إلى أي بقعة من البقاع ذهب ، لا يستعمل إلا في الجحد . وانبقع فلان انبقاعا إذا ذهب مسرعا وعدا ، قال ابن أحمر :


                                                          كالثعلب الرائح الممطور صبغته     شل الحوامل منه ، كيف ينبقع ؟



                                                          شل الحوامل منه : دعاء عليه ، أي تشل قوائمه . وتبعتهم الداهية : أصابتهم . والباقعة : الداهية ، والباقعة : الرجل الداهية . ورجل باقعة : ذو دهي . ويقال : ما فلان إلا باقعة من البواقع ، سمي باقعة [ ص: 126 ] لحلوله بقاع الأرض وكثرة تنقيبه في البلاد ومعرفته بها ؛ فشبه الرجل البصير بالأمور الكثير البحث عنها المجرب لها به ، والهاء دخلت في نعت الرجل للمبالغة في صفته ، قالوا : رجل داهية وعلامة ونسابة . والباقعة : الطائر الحذر إذا شرب الماء نظر يمنة ويسرة . قال ابن الأنباري في قولهم : فلان باقعة : معناه حذر محتال حاذق . والباقعة عند العرب : الطائر الحذر المحتال الذي يشرب الماء من البقاع ، والبقاع مواضع يستنقع فيها الماء ، ولا يرد المشارع والمياه المحضورة خوفا من أن يحتال عليه فيصاد ثم شبه به كل حذر محتال . وفي الحديث : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر - رضي الله عنه - : " لقد عثرت من الأعراب على باقعة " ، هو من ذلك ، وذكر الهروي أن عليا - رضي الله عنه - هو القائل ذلك لأبي بكر ، ومنه الحديث : ففاتحته فإذا هو باقعة ، أي ذكي عارف لا يفوته شيء . وجارية بقعة : كقبعة . والبقعاء من الأرض : المعزاء ذات الحصى الصغار . وهاربة البقعاء : بطن من العرب . وبقعاء : موضع ، معرفة لا يدخلها الألف واللام ، وقيل : بقعاء اسم بلد ، وفي التهذيب : بقعاء قرية من قرى اليمامة ; ومنه قوله :


                                                          ولكني أتاني أن يحيى     يقال عليه في بقعاء شر .



                                                          وكان اتهم بامرأة تسكن هذه القرية . وبقعاء المسالح : موضع آخر ذكره ابن مقبل في شعره . وفي الحديث ذكر بقع ، بضم الباء وسكون القاف : اسم بئر بالمدينة وموضع بالشام من ديار كلب ، به استقر طلحة بن خويلد الأسدي لما هرب يوم بزاخة . وقالوا : يجري بقيع ويذم ، عن ابن الأعرابي ، والأعرف بليق ، يقال هذا للرجل يعينك بقليل ما يقدر عليه وهو على ذلك يذم . وابتقع لونه وانتقع وامتقع بمعنى واحد . وفي حديث الحجاج : رأيت قوما بقعا . قيل : ما البقع ؟ قال : رقعوا ثيابهم من سوء الحال ، شبه الثياب المرقعة بلون الأبقع .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية