الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
" الثاني " قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الذي كتبه على حسن إرادة الله تعالى : " وكذلك تنازعهم في العبد هل هو قادر على خلاف المعلوم ؟ قال فإن أريد بالقدرة القدرة الشرعية التي هي مناط الأمر والنهي كالاستطاعة المذكورة في قوله تعالىفاتقوا الله ما استطعتم .

فكل من أمره الله ونهاه فهو مستطيع بهذا الاعتبار ، وإن علم أنه لا يطيعه ، وإن أريد بالقدرة القدرة التي لا تكون إلا مقارنة للمفعول ، فمن علم الله أنه لا يفعل الفعل لم تكن هذه القدرة ثابتة له .

قال : ومن هذا الباب تنازع الناس في الأمر والإرادة ، هل الله تعالى يأمر بما لا يريد ، أو لا يأمر إلا بما يريد ؟ قال : فإن الإرادة لفظ فيه إجمال يراد بالإرادة الإرادة الكونية الشاملة لجميع الحوادث ، كقول المسلمين ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وكقوله تعالى فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء وقول نوح عليه السلام : ( ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم ) " .

فلا ريب أن الله تعالى يأمر العباد بما لا يريده بهذا التفسير والمعنى كما قال تعالى ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها فدل على أنه لم يؤت كل نفس هداها مع أنه تعالى أمر كل نفس بهداها .

قال شيخ الإسلام : وأما الإرادة الدينية فهي بمعنى المحبة والرضى فهي ملازمة للأمر كقوله تعالى : يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم وكقول ( بعض - 1 ) المسلمين هذا يفعل شيئا لا يريده الله إذا كان يفعل بعض الفواحش أي الله لا يحبه ولا يرضاه بل ينهى عنه ويكرهه . ثم [ ص: 157 ] قال : اعلم أن التأثير إذا فسر بوجود شرط ( الحادث أو بسبب - 1 ) يتوقف حدوث الحادث به ( 2 ) على سبب آخر وانتفاء موانع وكل ذلك بخلق الله تعالى فهذا حق ، وتأثير قدرة العبد في مقدورها ثابت بهذا الاعتبار ، وإن فسر التأثير بأن المؤثر مستقل بالأثر من غير مشارك معاون ، ولا معاوق مانع ، فليس شيء من المخلوقات مؤثرا ، بل الله وحده خالق كل شيء فلا شريك له ، ولا ند له ، فما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده ) ، ( قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ) ( ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ) الآية .

ولما كان هذا المقام مشتملا على هذا الغموض والنزاع مما ذكرناه وأضعاف أضعافه مما لم نذكره ، حسن قوله في تتمة البيت ( ( فعي ) ) من وعاه يعيه حفظه وجمعه كأوعاه أي اجمع حواشي هذا الكلام ، واحفظ مضمون هذا النظام ، ( ( واستبن ) ) أي اطلب البيان من مظانه ، والإيضاح من مكامنه ؛ فإن قدرته تعالى القديمة ، وإرادته الأزلية الذاتية العظيمة كل منها إنما يتعلق بالممكن الجائز ، كما في التفصيل دون الواجب والمستحيل ، والله الموفق لسواء السبيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية