الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          241 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          وليس على من لا ماء معه أن يشتريه للوضوء ولا للغسل ، لا بما قل ولا بما كثر ، فإن اشتراه لم يجزه الوضوء به ولا الغسل وفرضه التيمم ، وله أن يشتريه للشرب إن لم يعطه بلا ثمن ، وأن يطلبه للوضوء فذلك له .

                                                                                                                                                                                          وليس ذلك عليه فإن وهب له توضأ به ولا بد ، ولا يجزيه غير ذلك .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك { نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الماء } .

                                                                                                                                                                                          وروينا من طريق مسلم : حدثنا أحمد بن عثمان النوفلي ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد ثنا ابن جريج أخبرني زياد بن سعد أخبرني هلال بن أسامة أن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ } .

                                                                                                                                                                                          حدثنا حمام ثنا عيسى بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن زهير بن حرب ثنا أبي عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أخبره أبو المنهال أن إياس بن عبد قال لرجل : لا تبع الماء ، فإن { رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الماء } ومن طريق ابن أبي شيبة : ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي المنهال { عن إياس بن عبد المزني - ورأى ناسا يبيعون الماء - فقال لا تبيعوا الماء ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يباع } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن أبي شيبة : حدثنا يزيد بن هارون ثنا أبو إسحاق عن محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين قالت { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نمنع نقع البئر يعني فضل الماء } هكذا في الحديث تفسيره . ورويناه أيضا مسندا من طريق جابر ، فهؤلاء أربعة من الصحابة ، فهو نقل تواتر لا تحل مخالفته .

                                                                                                                                                                                          قال علي : وقد تقصيت الكلام في هذا في مسألة المنع من بيع الماء في كتاب البيوع من ديواننا هذا . والحمد لله .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فإذ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعه فبيعه حرام ، وإذ هو كذلك فأخذه بالبيع أخذ بالباطل ، وإذ هو مأخوذ بالباطل فهو غير متملك له ، وإذ هو غير [ ص: 361 ] متملك له فلا يحل استعماله له ، لقول الله تعالى : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } فإذا لم يجده إلا بوجه حرام - من غصب أو بيع محرم - فهو غير واجد الماء ، وإذا لم يجد الماء ففرضه التيمم .

                                                                                                                                                                                          وأما ابتياعه للشرب فهو مضطر إلى ذلك ، والثمن حرام على البائع ، لأنه أخذه بغير حق ، ومنع فضل الماء هو محرم عليه ذلك .

                                                                                                                                                                                          وأما استيهابه الماء فلم يأت بذلك إيجاب ولا جاء عنه منع فهو مباح ، قال عليه السلام : { دعوني ما تركتكم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه } أو كما قال عليه السلام ، فإذا ملكه بهبة فقد ملكه بحق ، فواجب عليه استعماله في الطهارة وبالله التوفيق .

                                                                                                                                                                                          وقد اختلف الناس في هذا فقال الأوزاعي والشافعي وإسحاق : عليه أن يشتري الماء للوضوء بثمنه ، فإن طلب منه أكثر من ثمنه ، تيمم ولم يشتره .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو حنيفة لا يشتريه بثمن كثير .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : إن كان قليل الدراهم ولم يجد الماء إلا بثمن غال تيمم ، وإن كان كثير المال اشترى ما لم يشطوا عليه في الثمن ، وهو قول أحمد .

                                                                                                                                                                                          وقال الحسن البصري : يشتريه ولو بماله كله . قال أبو محمد : إن كان واجده بالثمن - واجدا للماء - فالحكم ما قاله الحسن ، وإن كان غير واجد فالقول قولنا ، وأما التقسيم في ابتياعه ما لم يغل عليه فيه ، وتركه إن غولي به ، فلا دليل على صحة هذا القول ، وكل ما دعت إليه ضرورة فليس غاليا بشيء أصلا وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية