الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وقوله :


تصد وتبدي عن أسيل وتتقي بناظرة من وحش وجرة مطفل     وجيد كجيد الريم ليس بفاحش
إذا هي نصته ولا بمعطل



معنى قوله " عن أسيل " : أي بأسيل ، وإنما يريد خدا ليس بكز .

وقوله " ، تتقي " يقال : اتقاه بحقه أي جعله بينه وبينه .

[ ص: 179 ] وقوله : " تصد وتبدي عن أسيل " : متفاوت ، لأن الكشف عن الوجه مع الوصل دون الصد .

وقوله : " تتقي بناظرة " : لفظة مليحة ، ولكن أضافها إلى ما نظم به كلامه ، وهو مختل ، وهو قوله : " من وحش وجرة " ! وكان يجب أن تكون العبارة بخلاف هذا ، كان من سبيله أن يضيف إلى عيون الظباء أو المها دون إطلاق الوحش ، ففيهن ما تستنكر عيونها .

وقوله " مطفل " فسروه على أنها ليست بصبية ، وأنها قد استحكمت ، وهذا اعتذار متعسف . وقوله " مطفل " : زيادة لا فائدة فيها على هذا التفسير الذي ذكره الأصمعي . ولكن قد يحتمل - عندي - أن يفيد غير هذه الفائدة ، فيقال : إنها إذا كانت مطفلا لحظت أطفالها بعين رقة ، ففي نظر هذه رقة نظر المودة ، ويقع الكلام معلقا تعليقا متوسطا .

وأما البيت الثاني فمعنى قوله : " ليس بفاحش " : أي ليس بفاحش الطول .

ومعنى قوله : " نصته " : رفعته . ومعنى قوله : " ليس بفاحش " - في مدح الأعناق - كلام فاحش موضوع منه ! وإذا نظرت في أشعار العرب رأيت في وصف الأعناق ما يشبه السحر ، فكيف وقع على هذه الكلمة ، ودفع إلى هذه اللفظة ؟ ! وهلا قال كقول أبي نواس :


مثل الظباء سمت إلى     روض صوادر عن غدير



* * *

ولست أطول عليك فتستثقل ، ولا أكثر القول في ذمه فتستوحش .

وأكلك الآن إلى جملة من القول ، فإن كنت من أهل الصنعة ، فطنت واكتفيت وعرفت ما رمينا إليه واستغنيت .

وإن كنت عن الطبقة خارجا ، وعن الإتقان بهذا الشأن خاليا - فلا يكفيك البيان ، وإن استقرينا جميع شعره ، وتتبعنا عامة ألفاظه ، ودللنا على ما في كل حرف منه .

[ ص: 180 ] اعلم أن هذه القصيدة قد ترددت بين أبيات سوقية مبتذلة ، وأبيات متوسطة ، وأبيات ضعيفة مرذولة ؛ وأبيات وحشية غامضة مستكرهة ، وأبيات معدودة بديعة .

وقد دللنا على المبتذل منها ، ولا يشتبه عليك الوحشي المستنكر ، الذي يروع السمع ، ويهول القلب ، ويكد اللسان ، ويعبس معناه في وجه كل خاطر ، ويكفهر مطلعه على كل متأمل أو ناظر ، ولا يقع بمثله التمدح والتفاصح . وهو مجانب لما وضع له أصل الإفهام ، ومخالف لما بني عليه التفاهم بالكلام . فيجب أن يسقط عن الغرض المقصود ، ويلحق باللغز والإشارات المستبهمة .

* * *

فأما الذي زعموا أنه من بديع الشعر ، فهو قوله :


ويضحي فتيت المسك فوق فراشها     نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل



والمصراع الأخير عندهم بديع ، ومعنى ذلك : أنها مترفة متنعمة ، لها من يكفيها .

ومعنى قوله : " لم تنتطق عن تفضل " ، يقول : لم تنتطق وهي فضل ، و " عن " هي بمعنى " بعد " . قال أبو عبيدة : لم تنتطق فتعمل ، ولكنها تتفضل .

* *

التالي السابق


الخدمات العلمية