الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو خرج للحج فأقام في بعض البلاد حتى دارت السنة ثم مات وقد أوصى أن يحج عنه يحج عنه من بلده بلا خلاف أما عند أبي حنيفة فظاهر .

                                                                                                                                وأما عندهما فلأن ذلك السفر لم يتصل به عمل الحجة التي سافر لها فلم يعتد به عن الحج .

                                                                                                                                وإن كان ثلث ماله لا يبلغ أن يحج به عنه إلا ماشيا فقال رجل أنا أحج عنه من بلده ماشيا روى هشام عن محمد - رحمه الله - أنه لا يجزيه به ولكن يحج عنه من حيث يبلغ راكبا وروى الحسن عن أبي حنيفة إن أحجوا عنه من بلده ماشيا جاز ، وإن أحجوا من حيث يبلغ راكبا جاز ، وأصل هذه المسألة أن الموصي بالحج إذا اتسعت نفقته للركوب فأحجوا عنه ماشيا لم يجز ; لأن المفروض هو الحج راكبا فإطلاق الوصية ينصرف إلى ذلك كأنه أوصاه بذلك .

                                                                                                                                وقال أحجوا عني راكبا .

                                                                                                                                ولو كان كذلك لا يجوز ماشيا كذا هذا ( وجه ) رواية الحسن إن فرض الحج له تعلق بالركوب وله تعلق ببلده ، ولا يمكن مراعاتهما جميعا ، وفي كل واحد منهما كمال من وجه ونقصان من وجه فيجوز أيهما كان ، وإن كان ثلث ماله لا يبلغ أن يحج عنه من بلده فحج عنه من موضع يبلغ ، وفضل من الثلث وتبين أنه كان يبلغ من موضع أبعد منه يضمنه الوصي ويحج عن الميت من حيث يبلغ ; لأنه تبين أنه خالف إلا إذا كان الفاضل شيئا يسيرا من زاد أو كسوة ، فلا يكون مخالفا ولا ضامنا ويرد الفضل إلى الورثة ; لأن ذلك ملكهم ، وإن كان للموصي وطنان فأوصى أن يحج عنه من أقرب الوطنين ; لأن الأقرب دخل في الوصية بيقين وفي دخول الأبعد شك فيؤخذ باليقين ، وفيما ذكرنا من المسائل التي وجب الحج من بلده إذا أحج الوصي من غير بلده يكون ضامنا ويكون الحج له ويحج [ ص: 223 ] عن الميت ثانيا ; لأنه خالف إلا إذا كان المكان الذي أحج عنه قريبا إلى وطنه بحيث يبلغ إليه ويرجع إلى الوطن قبل الليل فحينئذ لا يكون مخالفا ولا ضامنا ، ويكون كاختلاف المحل .

                                                                                                                                ولو مات في محلة فأحجوا عنه من محلة أخرى جاز كذا هذا .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية