الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

عمرو بن العاص (القائد المسلم والسفير الأمين) [الجزء الثاني]

اللواء الركن / محمود شيت خطاب

السفيـر

عمل عمرو سفيرا في عهدين متناقضين: عهد الجاهلية، وعهد الإسلام، فقد كان سفيرا لمشركي قريش إلى النجاشي ملك بلاد الحبشة في الجاهلية، وأصبح سفيرا من سفراء النبي صلى الله عليه وسلم بعد إسلام عمرو، وبعد أن حسن إسلامه.

كان عمرو في جاهليته من أشد الناس عداوة للذين آمنوا، وقد قصد بلاد الحبشة مرتين، سفيرا لمشركي قريش، في محاولة لتسليم المسلمين المهاجرين إلى بلاد الحبشة، إلى قومهم مشركي قريش، ليفتنوهم عن دينهم، وكانت سفارته الأولى إلى بلاد الحبشة بعد هـجرة المسلمين إليها في السنة الخامسة من النبوة، وكانت سفارته الثانية إلى بلاد الحبشة بعد غزوة الحديبية ، التي لم يشهدها عمرو، ولم يشهد صلحها، وكانت سفارته هـذه في أواخر السنة السادسة الهجرية، أو أوائل السنة السابعة الهجرية، فأخفق عمرو في إغراء النجاشي بالهدايا الثمينة، والكلام المعسول، ومحاولة إبراز التناقض بين عقيدة النجاشي المسيحية، وعقيدة المسلمين المهاجرين، وبخاصة في المسيح عليه السلام . [ ص: 101 ]

وقد بذل عمرو قصارى جهده في سفارتيه، ليجعل النجاشي مع مشركي قريش على المسلمين المهاجرين إلى بلاده، ولكنه أخفق في مسعاه، إخفاقا كاملا، على الرغم مما بذله من جهود مضنية من أجل تحقيق هـدفه، ولم يكن عمرو يتوقع أن يخفق في مسعاه، ولا كانت قريش تتوقع إخفاقه، فقد بذل عمرو كل ما يستطيع بشر قادر ذكي بذله، من هـدايا، ومحاورة، ومداورة، وإقناع دون جدوى، كما أن مشركي قريش أوفدوا ألمع رجالهم، وأقدرهم، وأذكاهم، وأدهاهم، وأبرعهم حيلة ومكرا، فما استطاع أن يغير حال المسلمين المهاجرين، من الأمن إلى الخوف، ومن الرجاء إلى القنوط.

ويبدو أن إخفاق عمرو في سفارتيه إلى أرض الحبشة، جعله يراجع نفسه من جديد، فقد حاول صرف الناس عن الإسلام، فازداد إقبالهم عليه، وآذى المسلمين، فازداد تعلقهم بالإسلام، ووضع العراقيل مع مشركي قريش ليحولوا دون هـجرة المسلمين، فهاجروا إلى الحبشة أولا، وإلى المدينة ثانيا، وحاول أن يؤذي المهاجرين في الحبشة، فاشتد عضدهم، وتضاعفت مكانتهم.

وكما أخفق عمرو في محاولاته السلمية للصد عن دين الله، وإلحاق الأذى بالمسلمين، فقد أخفق عمرو في محاولاته الحربية لهزيمة المسلمين، وتكبيدهم الخسائر المادية والمعنوية، بل انهزم المشركون، [ ص: 102 ] وتكبدوا الخسائر المادية والمعنوية، وعاد عمرو خائبا بعد عناء، لم يثمر جهده غير الإخفاق.

وهكذا عانى عمرو إخفاقا في محاولاته، للصد عن دين الله، بالوسائل السلمية والحربية، دون أن يدخر وسعا، لإحراز النجاح، أو شيء من النجاح في الحالتين، مما جعله يعتقد أن إخفاقه لم يكن نتيجة لتقصيره، بل نتيجة لقوة قاهرة، فلم يكن صراعه بين قوته بشرا، وقوة المسلمين بشرا، بل كان صراعه بين قوته بشرا، وقوة خالق البشر، لذلك توالت هـزائمه، وتعاقبت إخفاقاته، دون تقصير منه، فأعلن إسلامه، بعد يقين ناتج عن تفكير متصل عميق، فكان إسلام عمرو، كما ( وصفه النبي صلى الله عليه وسلم : أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص. ) ولا عجب أن يبلغ تفكير عمرو المتصل العميق أقصى مداه بالإسلام وانتصاراته المتوالية، والشرك وهزائمه المتوالية، في أرض الحبشة، وأمام النجاشي ، فيعلن إسلامه على يدي النجاشي، كما تنص على ذلك المصادر المعتمدة، ثم يعود إلى مكة ، ومنها إلى المدينة مهاجرا إلى الله ورسوله، ليعلن إسلامه علنا، أمام النبي صلى الله عليه وسلم ، بعد أن أعلنه سرا أمام النجاشي في بلاد الحبشة.

وكان انتماء عمرو، حين كان مشركا، للمشركين من قريش بخاصة وللمشركين من العرب بعامة، وكان ولاؤه لقريش من أهـل [ ص: 103 ] مكة المكرمة ، الذين ظلوا على شركهم ولم يسلموا، وكان إيمانه، على ما وجد عليه آباءه وأجداده، من عبادة للأصنام والأوثان، وما وجد عليه ذوي الأحلام، من أشراف قريش، ثقة بأحلامهم، التي ضلت ضلالا بعيدا، فضل كما ضلوا تقليدا لا تفهما، وتعصبا لا تعقلا، والعقيدة بعد ذلك تخص العواطف أكثر مما تخص العقول، وتداعب الوجدان أكثر مما تقارب العقل، وما تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

ولكن عقل عمرو، عمل عمله في كشف زيف الشرك، وتكشيف عبادة الأصنام والأوثان، فاكتشف نفسه بالعقل، الذي ظل يحاوره، ويداوره، ويناقشه الحساب، حتى وجد أن مكانه السليم، ليس في صفوف المشركين، بل في صفوف المسلمين، وليس مع الشرك، بل مع الإسلام.

وقبل أن يسلم عمرو، كان انتماؤه للمشركين، وولاؤه لقومه قريش، لا غبار عليه، وكان مخلصا في انتمائه، صادقا في ولائه، ومع ذلك -بالإضافة إلى كفاياته الشخصية المتميزة- أخفق في سفارتيه، دون أن يكون مقصرا في مسعاه، ولكنه اقتنع أنه كان يقاوم تيارا جارفا، لا يقوى بشر على مقاومته، ولا يفلح، فآثر بحصافته وعقليته الراجحة أن يكون مع التيار لا عليه، فآمن عمرو، وأسلم الناس. [ ص: 104 ]

وبدأت صفحة جديدة لعمرو بعد إسلامه، بعد أن انتهت صفحة قديمة، فأصبح انتماؤه وولاؤه للإسلام والمسلمين، وإيمانه بالإسـلام، وبما جاء به الإسلام في كتاب الله، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام : لغة وعقيدة وتشريعا، ومثلا عليا في محاسن الأخلاق.

وتولى عمرو بعد إسلامه سفارته الثالثة، وهي سفارته النبوية التي كانت سنة ثمان الهجرية إلى جيفر وعبد، ابني الجلندي في عمان ، وهما من الأزد ، والملك منهما جيفر ، يدعوهما إلى الإسلام، فأسلم الملك، وأسلم أخوه عبد، وأسلم معهما كثير من العرب أهل عمان.

وكان الفرق بين سفارتيه الأوليين وسفارته النبوية عظيما جدا، فقد كانت سفارتاه الأوليان إلى أرض الحبشة للسيطرة على المسلمين المهاجرين المستضعفين، الذين كانوا أناسا بلا غد بالنسبة لهجرتهم وغربتهم، وهوانهم على الناس، وكان إقناع النجاشي، بما عرضه عليه عمرو من تسليم المسلمين المهاجرين لقريش المشركين، كفيلا لترحيلهم عن أرض الحبشة إلى مكة ، ليلاقوا من المشركين مصيرا أسود من تعذيب وتنكيل وإهانة، وقتل وصنوف مما يفعله الخصوم الألداء بخصومهم الضعفاء. أما سفارته النبوية، فكانت إلى مملكة وملك ورعية، فأسلموا غير مكترثين بالمنصب الرفيع، والملك الواسع، والرعية المطيعة.. فأخفق في سفارتيه الأولى والثانية، وكان نجاحه ميسورا، [ ص: 105 ] ونجح في سفارته الثالثة، وكان إخفاقه متوقعا، لأنه كان في سفارتيه الأوليين على باطل، فأخفق الباطل، ولم يخفق عمرو، وكان في سفارته النبوية على حق، فنجح الحق، ونجح بنجاحه عمرو أيضا.

وبدون شك، فقد كان مخلصا في انتمائه، صادقا في إيمانه، في حالتي إخفاقه ونجاحه، حين كان سفيرا لمشركي قريش، ثم أصبح سفيرا للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولو لم يكن مخلصا صادقا، لما اختارته قريش المشركة لسفارتها قبل إسلامه، ولما اختاره النبي صلى الله عليه وسلم سفيرا بعد إسلامه، فالإسلام يجب ما كان قبله، كما قال عليه الصلاة والسلام .

تلك هـي المزية الأولى لسفارة عمرو: الانتماء والإيمان.

أما المزية الثانية، فهي: الفصاحة، والعلم، وحسن الخلق.

وقد تحدثنا عن هـذه المزية كثيرا في الحديث على عمـرو الإنسـان، فلا مجال لإعادة ما تحدثنا عنه من قبل، ونكتفي بذكر نماذج تدل على فصاحته، وعلمه، وحسن خلقه، فقد يغني القليل هـنا، عن الكثير هـناك، وباستطاعة من يحب التفاصيل، أن يجدها في مكانها من هـذه الدراسة.

لقد كان عمرو عربيا، وكان العرب مشهورين بالفصاحة، ومن قريش أفصح العرب، وكان مشهورا بالفصاحة، كما اشتهر بحكمه البليغة، التي ذكرنا أمثلة منها عند الحديث عليه: حكيما.. وكان كاتبا قارئا، بليغا في نثره ونظمه، وقد رويت له آثار في الشعر، [ ص: 106 ] والخطب الطوال، تسلكه بين الشعراء، والخطباء المجيدين.

وكان عالما من علماء الدين الحنيف، فقيها، محدثا، مجتهدا في الدين، من أصحاب الفتيا من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن قضاة المسلمين الأولين.

وقد ذكرنا علمه عند الحديث عليه عالما، في الحديث على عمرو الإنسان.

أما خلقه الكريم، فقد وصفه رجل فقال: (ما رأيت رجلا أبين قرآنا، ولا أكرم خلقا، ولا أشبه سريرة بعلانية منه) .

" وفي حديث إسلام عمرو، وصف إسلامه فقال:... وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه، إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه، ما أطقت، لأنني لم أكن أملأ عيني منه... " [1] ، والحياء إذا تيسر في إنسان -وبخاصة في مثل هـذه الدرجة، وبمثل هـذا الإخلاص- دليل على حسن الخلق. [ ص: 107 ]

لقد كان عمرو يبهر من يتصل به من الناس بفصاحته، ويدهشهم بعلمه، ويأخذهم بحسن أخلاقه، ويأسرهم بمزاياه الكثيرة، في السلم والحرب، وفي السراء والضراء، فكان زينة المجالس إذا جلس، والظاهر بين الناس إذا قام.

أما المزية الثالثة لسفارة عمرو، فهي الصبر والحكمة.

وقد أبدى عمرو في سفارتيه الأوليين لمشركي قريش إلى النجاشي ملك الحبشة، صبرا عجيبا في الإعداد للرحلة من مكة إلى الحبشة، وإعداد الهدايا التي يحبها النجاشي وخاصته، واستقطاب حاشية النجاشي بالهدايا الثمينة، لضمان ولائهم له، ومعاونته عند النجاشي على المسلمين المهاجرين إلى أرض الحبشة .

كما صبر صبرا جميلا على دراسة وتفهم ما جاء به الإسلام من التعاليم الخاصة بالمسيح عليه السلام ، وما جاء في تعاليم المسيحية، وإبراز التناقض للنجاشي من أجل استثارته للتنكيل بالمسلمين المهاجرين.

كما صبر صبرا جميلا على اتصالاته المستمرة الطويلة بحاشية النجاشي والنجاشي، وعلى مفاوضتهم بغياب المسلمين المهاجرين وبحضورهم.

وكانت تصرفات عمرو في سفارتيه هـاتين، تتسم بالحكمة [ ص: 108 ] والاتزان، فبذل قصارى جهده، لتحقيق هـدفه، ولكنه رضي بالسلامة والخيبة، بالرغم مما بذله من عناء.

أما في سفارته الثالثة، وهي سفارته النبوية إلى عمان ، فقد اتسم بالصبر والحكمة أيضا، فعرف مزايا الملك، ومزايا أخيه، ففاتح الملك بعد أن ضمن أخاه، الذي فاتحه قبل الملك، فكان أخو الملك عند حسن ظن عمرو، وعاونه في مهمته معاونة صادقة.

لقد كان عمرو حكيما في أقواله وتصرفاته، كما ذكرنا ذلك في الحديث على الحكيم، كجزء من تفصيل: عمرو الإنسان.

أما المزية الرابعة لسفارة عمرو، فهي: سعة الحيلة.

وقد تحدثنا عن دهائه طويلا، إذ كان من دهاة العرب الأربعة المشهورين، حاضر البديهة، عظيم الذكاء، طويل التجربة، ويكفي أن نتذكر " قوله: ما دخلت في شيء قط، إلا خرجت منه. " " وقوله: لم أدخل في أمر قط فكرهته، إلا خرجت منه. " [2] ، وقوله: ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشر، ولكنه الذي يعرف خير الشرين. [3] .

لقد كان أحد الدهاة المقدمين في المكر والرأي [4] ، وكان من دهاة [ ص: 109 ] العرب [5] ، وكان معدودا من دهاة العرب [6] ، وكان من أبطال العرب ودهاتهم، ذا رأي [7] .

ولعل دخوله على قادة أعدائه، الذين يحاربهم في الميدان في مقراتهم، وتخلصه منهم بعد انكشاف أمره لهم، ومعرفتهم بأنه القائد، وليس رسوله، أدلة قاطعة على سعة حيلة عمرو.

وتملصه من النجاشي في سفارتيه الأوليين بعد غضب النجاشي عليه، دليل على سعة حيل عمرو.

وتفوقه في النجاح، لا نجاحه حسب، في سفارته النبوية إلى عمان، دليل على سعة حيلة عمرو.

واجتيازه الفيافي والقفار في طريق عودته من عمان إلى المدينة ، مجتازا المناطق الملغومة بالمرتدين، منهم قرة بن هـبيرة، ومسيلمة الكذاب، بعد التحاق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، وتخلصه من الأعداء والمرتدين، ونجاته بنفسه منهم، وهم أحرص ما يكونون على إبادة من هـم أقل منه شأنا من المسلمين، دليل على سعة حيلة عمرو، وذكائه الخارق، وحسن تصرفه، وبعد نظره، ودهائه العظيم.

إن كل أعمال عمرو السلمية والحربية، أدلة قاطعة ملموسة على [ ص: 110 ] سعة حيلته، بل تميزه في هـذا المجال.

أما المزية الخامسة لسفارة عمرو، فهي رواء مظهره.

فقد كان أدعج أبلج، يخضب شعره بالسواد، يهتم بملبسه، وبذلك يكون مظهره مقبولا، إن لم يكن حسنا، وقد كان سفيرا لمشركي قريش إلى الحبشة. وعمرو بهذا الوصف يبدو حسن المظهر بالنسبة للحبشة، ثم كان سفيرا نبويا إلى عمان، وهم من العرب الأزد، وعمرو بهذا الوصف، يبدو مقبول المظهر بالنسبة للعرب قومه، فهو منهم، وهم منه، والعرب متقاربون في الغالب مظهرا.

ولكن المخبر أهم بكثير من المظهر، وقد كانت طاقات عمرو في مخبره متميزة، ونادرة، ولا تتكرر إلا قليلا جدا، ولكن المظهر أيضا مزية من مزايا السفير، فكان لابد من ذكرها، وعدم إغفالها.

ولم تكن هـذه المزايا الخمس، التي كانت متيسرة لعمرو سفيرا، مقتصرة عليه وحده، دون سفراء النبي صلى الله عليه وسلم الآخرين، بل كانت متيسرة فيهم جميعا، بدون استثناء، ولكن كل مزية على انفراد، لم تكن متساوية كمية ونوعية في كل سفير، بل كانت على درجات متفاوتة فيما بينهم، ولكنها كانت درجات عالية لا يهبط مستواها أبدا، بل يرتفع هـذا المستوى، والتفاوت هـو في درجة الارتفاع وحده.

وكانت مزية: رواء المظهر، مرتفعة الدرجة في سفراء النبي صلى الله عليه وسلم ، الذين أوفدهم إلى كسرى الفرس، وقيصر الروم، ومقوقس مصر، [ ص: 111 ] لأن هـؤلاء الملوك كانوا يهتمون بالمظهر كثيرا، ويؤثر فيهم المظهر قبل أن يتأثروا بالمخبر، ويكون صاحب المظهر الحسن أقرب إلى نفوسهم، وأقدر على التأثير فيها وأحرى أن يستقبل بالقبول والحفاوة.

وما تذكرت المزايا الخمس الرئيسة، التي كانت في سفراء النبي صلى الله عليه وسلم قبل خمسة عشر قرنا خلت -وهناك مزايا فرعية أخرى متيسرة فيهم أيضا، بشكل أو بآخر، لم نتطرق إليها خوفا من الإطناب، واكتفاء بالمزايا الرئيسة حسب- ما تذكرت تلك المزايا التي سنها عليه الصلاة والسلام في اختيار السفراء، وطبقها في اختيار سفرائه، وطبقها الخلفاء الراشدون من بعده، وخلفاء بني أمية ، وبني العباس في أكثر سفرائهم، إلا وتمنيت أن يطبقها المسلمون في هـذا القرن لاختيار سفرائهم، إذ يبدو أنهم يعمدون إلى مخالفة توفر هـذه المزايا في السفير، أو يتعمدون مخالفتها، والنتيجة أن أكثر سفراء الدول الإسلامية -إلا النادر منهم- وجودهم من مصلحة أعداء دولهم لا من مصلحة دولهم، ما في ذلك شك، ولعل أولئك السفراء قبل غيرهم يعرفون هـذه الحقيقة.. فلا انتماء، ولا إيمان، ولا فصاحة، ولا علـم، ولا عمل، ولا حسن خلق، في أي شكل من أشكاله، ولا صبر على حل المشاكل والمعضلات، ولا حكمة، ولا سعة حيلة، ولا رواء مظهر، فهو ضريبة على دولته وكفى.

ليت لنا سفراء من أمثال عمرو، فما أحوجنا إلى أمثاله هـذه الأيام! [ ص: 112 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية