الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فائدتان

إحداهما : لو اقتدى قارئ وأمي بأمي فإن كانا عن يمينه ، أو الأمي عن يمينه : صحت صلاة الإمام والأمي ، وبطلت صلاة القارئ ، على الصحيح ، وإن كانا خلفه ، أو القارئ عن يمينه والأمي عن يساره : فسدت صلاتهما جزم به في المستوعب وغيره ، وفسدت صلاة الإمام أيضا ، على الصحيح من المذهب قال الزركشي : فإن كانا خلفه فإن صلاتهما تفسد ، وهل تبطل صلاة الإمام ؟ فيه احتمالان أشهرهما البطلان ، وقال في الرعايتين : فإن كانا خلفه بطل فرض القارئ في الأصح ، وبقي نفلا ، وقيل : لا يبقى فتبطل صلاتهم ، وقيل : إلا الإمام . انتهى . وفي المذهب : وجه آخر حكاه ابن الزاغوني أن الفساد يختص بالقارئ ، ولا تبطل صلاة الأمي قال ابن الزاغوني : واختلف القائلون بهذا الوجه في تعليله فقال بعضهم : لأن القارئ تكون صلاته نافلة ، فما خرج من الصلاة فلم يصر الأمي بذلك فذا ، وقال بعضهم : صلاة القارئ باطلة على الإطلاق ، لكن اعتبار معرفة هذا على الناس أمر يشق ، ولا يمكن الوقوف عليه فعفي عنه للمشقة . انتهى . [ ص: 270 ] قال الزركشي : ويحتمل أن الخرقي اختار هذا الوجه ، فيكون كلامه على إطلاقه . انتهى . قال ابن تميم : فإن كان خلفه بطل فرض القارئ ، وفي بقائه نفلا وجهان فإن قلنا بصحة صلاة الجميع : صحت ، وإن قلنا لا تصح : بطلت صلاة المأموم ، وفي صلاة الإمام وجهان ، وقال في الفروع : فإن بطل فرض القارئ ، فهل تبقى نفلا فتصح صلاتهم ، أم لا يبقى فتبطل ، أم تبطل إلا صلاة الإمام ؟ فيه أوجه الثانية : الأمي نسبة إلى الأم . وقيل : المراد بالأمي الباقي على أصل ولادة أمه لم يقرأ ولم يكتب ، وقيل : نسبة إلى أمة العرب قوله ( وهو من لا يحسن الفاتحة ، أو يدغم حرفا لا يدغم ، أو يبدل حرفا ، أو يلحن فيها لحنا يحيل المعنى ) فاللحن الذي يحيل المعنى : كضم التاء أو كسرها من " أنعمت " أو كسر كاف " إياك " قال في الرعاية : وقلنا تجب قراءتها ، وقيل : أو قراءة بدلها انتهى . فلو فتح همزة " اهدنا " فالصحيح من المذهب : أن هذا لحن يحيل المعنى قال في الفروع : يحيل في الأصح قال في مختصر ابن تميم : يحيل في أصح الوجهين وقيل : فتحها لا يحيل المعنى .

فائدة : لو قرأ قراءة تحيل المعنى مع القدرة على إصلاحها متعمدا حرم عليه فإن عجز عن إصلاحها قرأ من ذلك فرض القراءة ، وما زاد تبطل الصلاة بعمده ، ويكفر إن اعتقد إباحته ، ولا تبطل إن كان لجهل أو نسيان ، أو أنه جعلا له كالمعدوم فلا يمنع إمامته ، وهذا الصحيح من المذهب ، وعليه أكثر الأصحاب قال في مجمع البحرين : هذا اختيار ابن حامد ، والقاضي ، وأبي الخطاب وأكثر أصحابنا وقدمه في الفروع ، ومجمع البحرين ، وغيره . [ ص: 271 ] وقال أبو إسحاق بن شاقلا : هو ككلام الناس ، فلا يقرؤه ، وتبطل الصلاة به ، وأطلقهما في الرعاية ، وخرج بعض الأصحاب من قول أبي إسحاق عدم جواز قراءة ما فيه لحن يحيل معناه ، مع عجزه عن إصلاحه ، وكذا إبدال حرف لا يبدل فإن سبق لسانه إلى تغيير نظم القرآن بما هو منه على وجه يحيل معناه ، كقوله " إن المتقين في ضلال وسعر " ونحوه لم تبطل صلاته على الصحيح ونص عليه في رواية محمد بن الحكم ، وإليه ميله في مجمع البحرين ، وقدمه ابن تميم ، والرعاية ولا يسجد له ، وعنه تبطل ، نقلها الحسن بن محمد ، وهو قول في الرعاية ، ومنها أخذ ابن شاقلا قوله ، قاله ابن تميم ، وأطلقهما في مجمع البحرين .

تنبيه : ظاهر قوله " أو يبدل حرفا " أنه لو أبدل ضاد " المغضوب " عليهم و " الضالين " بظاء مشالة : أن لا تصح إمامته .

( * ) وهو أحد الوجوه قال في الكافي : هذا قياس المذهب ، واقتصر عليه وجزم به ابن رزين في شرحه . والوجه الثاني : تصح قدمه في المغني والشرح واختاره القاضي ، وأطلقهما في الرعايتين ، والحاويين ، وقيل : تصح مع الجهل قال في الرعاية الكبرى : قلت : إن علم الفرق بينهما لفظا ومعنى بطلت صلاته ، وإلا فلا ، وأطلقهن في الفروع فائدة : " الأرت " هو الذي يدغم حرفا لا يدغم ، أو حرفا في حرف ، وقيل : من يلحقه دغم في كلامه ، و " الألثغ " الذي يبدل حرفا بحرف لا يبدل به ، كالعين بالزاي وعكسه ، أو الجيم بالشين ، أو اللام أو نحوه . وقيل : من أبدل حرفا بغيره قال ذلك في الرعاية وغيره فالصحيح من المذهب : لا تصح إمامة الأرت والألثغ كما تقدم وظاهر كلام ابن البنا : صحة إمامتهما مع الكراهة ، وقال الآمدي : يسير ذلك لا يمنع الصحة ، ويمنع كثيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية