الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ثم المحبة الناشئة عن معرفة الجمال أفضل من المحبة الناشئة عن معرفة الإنعام والإفضال ، لأن محبة الجمال نشأت عن جمال الإله ، ومحبة الإنعام والإفضال نشأت عما صدر منه من إنعامه وإفضاله ، والتعظيم والإجلال أفضل من الكل ، لأنهما نشآ عن معرفة الجلال والجمال فنشآ عن جلال الله وكماله وتعلقاته فلهما شرف من وجهين اثنين ، ومن أطلعه الله على أوصاف غير هذه الأوصاف ، فنشأت عنها أحوال تناسبها غير هذه الأحوال لا يمكنهم العبارة عنها ، إذ لم توضع عبارة عليها ولا الإشارة إليها ، فإن دلالة الإشارة دون دلالة العبارة ، فإن للأكابر علوما خارجة عن العلم الضروري النظري وهم فيها متفاوتون ولحضور هذه المعارف المذكورة في القلوب رتب أعلاها أن تبدأ القلوب من غير سعي في استحضارها واكتسابها ، فيصدر عنها الأحوال الناشئة لها ، ثم تدوم بدوامها وتنقطع بانقطاعها ، وهذا ثابت للنبيين والمرسلين في أغلب الأحوال والقليل من الأبدال .

الرتبة الثانية : أن يستحضرها العبد باستجلابها واستذكارها حتى تحضر وينشأ عنها أحوالها اللائقة بها ويختلف الناس في ذلك : فمنهم من تستمر [ ص: 215 ] عليه هذه المعارف ، فتستمر به الأحوال الناشئة عنها ، وهذا دأب الأولياء ، ومنهم من تنقطع عنهم هذه المعارف والأحوال على الفور من استحضارها وهذا حال مثلنا وأمثالنا ، ومنهم من يقع انقطاعها بين هاتين الرتبتين وهم يتفاوتون في سرعة الانقطاع وبطئه .

الرتبة الثالثة : من لا تحضره هذه المعارف والأحوال الناشئة عنها إلا بسبب خارج ، ولهم رتب .

أحدها : من تحضره المعارف وأحوالها عند سماع القرآن ، وهؤلاء أفضل أهل السماع .

الرتبة الثانية : من تحضره المعارف والأحوال عند سماع الوعظ والتذكير ، وهؤلاء في الرتبة الثانية .

الرتبة الثالثة : من تحضره هذه المعارف والأحوال عند سماع الحداء والنشيد ، وهذا في الرتبة الثالثة لارتياح النفوس والتذاذها بسماع المتزن من الأشعار والنشيد ، وفي هذا نقص من جهة ما فيه من حظ النفس .

الرتبة الرابعة : من تحضره هذه المعارف والأحوال المبنية عليها عند سماع المطربات المختلف في تحليلها كسماع الدف والشبابات ، فهذا إن اعتقد تحريم ذلك فهو مسيء بسماعه محسن بما يحصل له من المعارف والأحوال ، وإن اعتقد إباحتها تقليدا لمن قال بها من العلماء فهو تارك للورع باستماعها محسن بما حضره من المعارف والأحوال الناشئة عنها .

الرتبة الخامسة : من تحضره هذه المعارف والأحوال عند سماع المطربات المحرمة عند جمهور العلماء كسماع الأوتار والمزمار فهذا مرتكب لمحرم ملتذ النفس بسبب محرم ، فإن حضره معرفة وحال تناسب تلك المعرفة ، كان [ ص: 216 ] مازجا للخير بالشر ، والنفع بالضر ، مرتكبا لحسنات وسيئات ولعل حسناته لا تفي بسيئاته فإن انضم إلى ذلك نظر إلى مطرب لا يحل النظر إليه ، فقد زادت شقوته ومعصيته .

فهذه رتب من تحضرهم المعارف والأحوال بسبب ما يستمعونه ، فالمستمعون بالقرآن أفضل هؤلاء لأن سببهم أفضل الأسباب ، ويليهم من يستمع الوعظ والتذكير إذ ليس فيه غرض للنفوس حاصل من الأوزان ، ويليهم من يستمع الحداء والأشعار ، لما فيه من حظ النفوس بلذة سماع موزون الكلام ، فإنه يلتذ به المؤمن والكافر ، والبر والفاجر ، وليس لذة النفوس بذلك من أمر الدين في شيء ، ويليهم من يسمع المطربات المختلف في تحريمها للاختلاف في قبح سببه ، ويليهم من يسمع ما ذهب الجمهور إلى تحريمه ، لأنه أسوأ حالا ممن تقدمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية