الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وفي سنة 94 : تملك خوارزم شاه بخارى أخذها من صاحب الخطا بعد حروب عظيمة . وفي سنة 95 : حاصر خوارزم شاه الري وكان عصى عليه نائبه بها فظفر [ ص: 219 ] به ، ونفذ إليه الناصر تقليدا بالسلطنة ، فلبس الخلعة ، وحاصر ألموت فوثب باطني على وزيره فقتله ، وقتلوا رئيس الشافعية صدر الدين بن الوزان .

                                                                                      ومات سلطان المغرب يعقوب ، فتملك ولده محمد .

                                                                                      ومات صاحب مصر الملك العزيز ابن صلاح الدين ، وأقبل الأفضل من صرخد إلى مصر فدبر دولة علي بن العزيز ، ثم سار بالجيش ، ونازل عمه العادل بدمشق ، وأحرق الحواضر ، وكاد أن يملك ، وضايق البلد أشهرا وجاءت النجدة العادل فكبسوا المصريين ، وضعف أمر الأفضل .

                                                                                      سنة 96 : مات السلطان علاء الدين تكش بن آتسز خوارزم شاه وتسلطن بعده ابنه محمد .

                                                                                      واشتد الحصار على دمشق ، وتمحقت خزائن العادل على العسكر واستدان ، واشتد الغلاء والبلاء بدمشق ، وأقبل الشتاء فترحل الأفضل والظاهر ، فبادر العادل وقصد الأفضل فأدركه بالغرابي ، ودخل القاهرة وتمكن ورد الأفضل منحوسا إلى صرخد بعد مصاف بينه وبين عمه ، ثم استناب العادل بمصر ولده الكامل ، وعزل المنصور عليا ابن العزيز ، وقال : هذا صبي يريد المكتب .

                                                                                      ونقص النيل ووقع القحط ، وهلك أهل مصر ، وكان ذلك من الآيات الكبار ؛ فإن النيل كسر من ثلاثة عشر ذراعا سوى ثلاثة أصابع .

                                                                                      ودخلت سنة سبع ; والبلاء شديد ، وأكلوا الجيف ، ولحوم الآدميين ، وجرى ما لا يعبر عنه .

                                                                                      [ ص: 220 ] قال الموفق عبد اللطيف : وعدم البيض ، ولما وجد بيعت البيضة بدرهم ، وبيع فروج بمائة ، وبيع مديدة بدينار ، والذي دخل تحت قلمالحشرية من الموتى في اثنين وعشرين شهرا مائة ألف وأحد عشر ألفا إلا شيئا يسيرا وهو نزر في جنب ما هلك بمصر والحواضر ، وكله نزر في جنب ما هلك بالإقليم ، وسمعنا من ثقات عن الإسكندرية أن الإمام صلى يوم جمعة على سبعمائة جنازة . ثم ساق عدة حكايات في أكل لحوم بني آدم . وتمت زلزلة فكانت حركتها كالغربلة في جوف الليل ، قال : فصح عندي أنها حركت من قوص إلى الشام ، وتعفت بلاد كثيرة ، وهلك أمم لا تحصى ، وأنكت في بلاد الفرنج‌ أكثر ، وسمعنا أنها وصلت إلى خلاط ، وجاءني كتاب من الشام فيه : " كادت لها الأرض تسير سيرا والجبال تمور مورا ، وما ظننا إلا أنها زلزلة الساعة ، وأتت دفعتين الأولى مقدار ساعة أو أزيد ، والثانية دون ذلك لكن أشد " . وفي كتاب آخر : " دامت بقدر ما قرأ سورة الكهف ، وأن صفد لم يسلم بها سوى ولد صاحبها " .

                                                                                      قلت : في هذا الكتاب خسف وإفك . وفيه أن عرقة وصافيثا خسف بهما .

                                                                                      وقال أبو شامة وفي شعبان جاءت زلزلة عمت الدنيا في ساعة واحدة ، فهدمت نابلس ، فمات تحت الهدم ثلاثون ألفا ، وهدمت عكا وصور وجميع قلاع الساحل . قلت : وهذه مجازفة ظاهرة . قال : ورمت بعض المنارة الشرقية وأكثر الكلاسة والمارستان وعامة [ ص: 221 ] دور دمشق ، وهرب الناس إلى الميادين ، وسقط من الجامع ستة عشر شرفة ، وتشققت قبة النسر . إلى أن قال - والعهدة عليه - : وأحصي من هلك في هذه السنة فكان ألف ألف ومائة ألف إنسان . ثم قال : نقلت ذلك من تاريخ أبي المظفر سبط ابن الجوزي .

                                                                                      وكانت خراسان في هيج وحروب على الملك ، والتقى جيش السلطان غياث الدين الغوري كفار الهند فانهزم الكفار .

                                                                                      وأنبأني ابن البزوري في تاريخه ، قال : زلزلت الجزيرة والشام ومصر ، فتخربت أماكن كثيرة جدا بدمشق وحمص وحماة ، واستولى الخراب على صور وعكا ونابلس وطرابلس ، وانخسفت قرية ، وخربت عدة قلاع .

                                                                                      وحارب المعز بن إسماعيل ابن سيف الإسلام صاحب اليمن علويا خرج عليه فهزم العلوي وقتل من جنده ستة آلاف ، وقهر الرعية ، وادعى أنه أموي ، وتسمى بأمير المؤمنين .

                                                                                      وقدم مدرس النظامية ، وكان قد بعث رسولا من الناصر إلى الغوري .

                                                                                      وندب طاشتكين للحج ، ولمحاربة المعز باليمن ، فبعث إلى أمراء ينذرهم ويحضهم على طاعة الإمام ، فشدوا على المعز فقتلوه .

                                                                                      سنة ثمان وتسعين : تناقص الفناء بمصر لقلة من بقي ، فكم من قرية كبيرة لم يبق بها بشر ، حتى لنقل بعضهم أن بلدا كان بها أربعمائة نول للنساجة لم يبق بها أحد .

                                                                                      [ ص: 222 ] وأرخ العز النسابة خبر الزلزلة فيها فوهم وقال : هي الزلزلة العظمى التي هدمت بلاد الساحل صور وطرابلس وعرقة ورمت بدمشق رءوس المآذن ، وأهلكت اثنين بالكلاسة .

                                                                                      سنة 599 : قال لنا ابن البزوري : ماجت النجوم وتطايرت كالجراد ، ودام ذلك إلى الفجر ، وضج الخلق إلى الله .

                                                                                      ومات سلطان غزنة غياث الدين ، وقام بعده أخوه شهاب الدين .

                                                                                      وأبعد العادل ابن ابن أخيه المنصور العزيز إلى الرها ، وحاصر ماردين ، ثم صالحه صاحبها على حمل مائة وخمسين ألف دينار في العام ، وأن يخطب له ، والتقى صاحب حماة المنصور الفرنج مرتين ويهزمهم .

                                                                                      وفي سنة ستمائة : التقى الأشرف بن العادل وصاحب الموصل نور الدين فكسره الأشرف ، وأسر أمراءه ثم اصطلحا ، وتزوج الأشرف بالأتابكية أخت نور الدين .

                                                                                      ودخلت الفرنج في النيل فاستباحوا فوة يوم العيد .

                                                                                      ونازل صاحب سيس أنطاكية وجد في حصارها ، ثم ترحل خوفا من عسكر حلب ، ثم بعد أيام أقبل وهجم أنطاكية بمواطأة من أهلها ، فقابله البرنس ساعة ثم التجأ إلى القلعة ، ونادى بشعار صاحب حلب وسرح بطاقة فسارع لنجدته صاحب حلب ، ففر الأرمني .

                                                                                      وأقبلت جيوش الفرنج من كل ناحية إلى عكا عازمين على قصد [ ص: 223 ] القدس ، ونزل العادل تحت الطور ، وجاءته أمداد العساكر ، وأغارت الفرنج وعاثت ، واستمر الخوف شهورا .

                                                                                      وما زالت قسطنطينية للروم فتحزبت الفرنج وملوكها في هذا الوقت .

                                                                                      وسنة إحدى وستمائة : احترقت دار الخلافة ، وكان أمرا مهولا حتى قيل : إن قيمة ما ذهب ثلاثة آلاف ألف دينار وسبعمائة ألف دينار ، قاله أبو شامة .

                                                                                      وفيها وقعت الهدنة بين العادل وبين الفرنج بعد أن عاثوا وأغاروا على حمص وعلى حماة ، ولولا ثبات المنصور لراحت حماة ، ثم أغاروا على جبلة واللاذقية واستضروا ، وكان العادل قد مضى إلى مصر فخاف وأهمه أمر العدو ، ثم عمل همة ، وأقبل في سنة ثلاث وستمائة فحاصر عكا مدة ، فصالحوه ، فلم يغتر ، وطلب العسكر من النواحي وأنفق الأموال ، وعلم أن الفرنج لا ينامون ، فنازل حصن الأكراد ، وأخذ منها برجا ، ثم نازل طرابلس مدة فمل جنده ، وخضع له ملك طرابلس وسير له تحفا وثلاثمائة أسير ، وصالح .

                                                                                      واستضرت الكرج ، وعاثوا بأذربيجان ، وقتلوا خلقا ، وعظم البلاء ، فالتقاهم صاحب خلاط ونجدة من الروميين ، فنصر الله وقتل طاغية الكرج .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية