الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          3318 \ 265 - ونا محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي ، نا أبو كريب ، نا عبد الرحيم بن سليمان ، عن حجاج بن أرطاة ، عن زيد بن جبير ، عن خشف بن [ ص: 93 ] مالك ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : " قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دية الخطأ مائة من الإبل ، منها عشرون . حقة وعشرون جذعة ، وعشرون بنات لبون ، وعشرون بنات مخاض ، وعشرون بني مخاض . هذا حديث ضعيف غير ثابت عند أهل المعرفة بالحديث ، من وجوه عدة ، أحدها : أنه مخالف لما رواه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه ، بالسند الصحيح عنه الذي لا مطعن فيه ، ولا تأويل عليه ، وأبو عبيدة أعلم بحديث أبيه وبمذهبه وفتياه من خشف بن مالك ونظرائه ، وعبد الله بن مسعود أتقى لربه وأشح على دينه من أن يروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يقضي بقضاء ، ويفتي هو بخلافه ، هذا لا يتوهم مثله على عبد الله بن مسعود ، وهو القائل في مسألة وردت عليه لم يسمع فيها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ولم يبلغه عنه فيها قول : أقول فيها برأيي ، فإن يكن صوابا فمن الله ورسوله ، وإن يكن خطأ فمني ، ثم يبلغه بعد ذلك أن فتياه فيها وافق قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مثلها ، فرآه أصحابه عند ذلك فرح فرحا لم يروه فرح مثله ، من موافقة فتياه قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمن كانت هذه صفته وهذا حاله ، كيف يصح عنه أن يروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ويخالفه ، ويشهد أيضا لرواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه : ما رواه وكيع وعبد الله بن وهب وغيرهما ، عن سفيان الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبد الله بن مسعود ؛ أنه قال : دية الخطأ أخماسا .

                                                          3319 \ 266 - حدثنا به القاضي المحاملي ، نا العباس بن يزيد ، نا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ، قال : دية الخطأ أخماسا ، ثم فسرها كما فسرها أبو عبيدة وعلقمة عنه سواء ، فهذه الرواية - وإن كان فيها [ ص: 94 ] إرسال - فإبراهيم النخعي هو من أعلم الناس بعبد الله وبرأيه وبفتياه ، قد أخذ ذلك عن أخواله علقمة والأسود وعبد الرحمن ابني يزيد وغيرهم ، من كبراء أصحاب عبد الله ، وهو القائل : إذا قلت لكم : قال عبد الله بن مسعود ، فهو عن جماعة من أصحابه عنه ، وإذا سمعته من رجل واحد ، سميته لكم .

                                                          ووجه آخر : وهو أن الخبر المرفوع الذي فيه ذكر بني المخاض لا نعلمه رواه إلا خشف بن مالك ، عن ابن مسعود ، وهو رجل مجهول ، لم يروه عنه إلا زيد بن جبير بن حرمل الجشمي ، وأهل العلم بالحديث لا يحتجون بخبر ينفرد بروايته رجل غير معروف ، وإنما يثبت العلم عندهم بالخبر إذا كان راويه عدلا - مشهورا - أو رجل قد ارتفع عنه اسم الجهالة عنه ، وارتفاع اسم الجهالة عنه أن يروي عنه رجلان فصاعدا ، فإذا كانت هذه صفته ارتفع عنه اسم الجهالة ، وصار حينئذ معروفا ، فأما من لم يرو عنه إلا رجل واحد ، انفرد بخبر ، وجب التوقف عن خبره ذلك ؛ حتى يوافقه غيره ، والله أعلم .

                                                          ووجه آخر : وهو أن خبر خشف بن مالك لا نعلم أحدا رواه عن زيد بن جبير عنه إلا حجاج بن أرطاة ، والحجاج رجل مشهور بالتدليس ، وبأنه يحدث عن من لم يلقه ولم يسمع منه ، قال أبو معاوية الضرير : قال لي حجاج : لا يسألني أحد عن الخبر - يعني : إذا حدثتكم بشيء ، فلا تسألوني : من أخبرك به ؟ - وقال يحيى بن زكريا بن أبي زائدة : كنت عند الحجاج بن أرطاة يوما ، فأمر بغلق الباب ، ثم قال : لم أسمع من الزهري شيئا ، ولم أسمع من إبراهيم ولا من الشعبي إلا حديثا واحدا ، ولا من فلان ولا من فلان ، حتى عد سبعة عشر أو بضعة عشر ، كلهم قد روى عنه الحجاج ، ثم زعم بعد روايته عنهم ؛ أنه لم يلقهم ولم يسمع منهم ، وترك الرواية عنه : سفيان بن عيينة ، ويحيى بن سعيد القطان ، وعيسى بن يونس ، بعد أن جالسوه وخبروه ، وكفاك بهم علما بالرجال ونبلا ، قال سفيان بن عيينة : دخلت على الحجاج بن أرطاة ، وسمعت كلامه ، فذكر شيئا أنكرته ؛ فلم أحمل عنه شيئا ، وقال يحيى بن سعيد القطان : رأيت حجاج بن أرطاة بمكة ، فلم أحمل عنه شيئا ، ولم أحمل - أيضا - عن رجل عنه ، كان عنده مضطربا ، وقال يحيى بن معين : الحجاج بن أرطاة لا يحتج بحديثه ، وقال عبد الله بن إدريس : سمعت الحجاج يقول : لا ينبل الرجل حتى يدع الصلاة في الجماعة ، وقال عيسى بن يونس : سمعت الحجاج يقول : أخرج إلى [ ص: 95 ] الصلاة يزاحمني الحمالون والبقالون ، وقال جرير : سمعت الحجاج يقول : أهلكني حب المال والشرف .

                                                          ووجه آخر : وهو أن جماعة من الثقات رووا هذا الحديث عن الحجاج بن أرطاة ؛ فاختلفوا عليه فيه ؛ فرواه عبد الرحيم بن سليمان ، عن حجاج ، على اللفظ الذي ذكرنا عنه ، ووافقه على ذلك عبد الواحد بن زياد ، وخالفهما يحيى بن سعيد الأموي وهو من الثقات ؛ فرواه عن الحجاج ، عن زيد بن جبير ، عن خشف بن مالك ، قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقول : قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخطأ أخماسا : عشرون جذاعا ، وعشرون بنات لبون ، وعشرون بني لبون ، وعشرون بنات مخاض ، وعشرون بني مخاض ذكور " ؛ فجعل مكان الحقاق : بني لبون .

                                                          3320 \ 267 - حدثنا بذلك أحمد بن عبد الله وكيل أبي صخرة ، حدثنا عمار بن خالد التمار ، نا يحيى بن سعيد الأموي ، ورواه إسماعيل بن عياش ، عن الحجاج ، عن زيد بن حية ، عن خشف بن مالك ، عن ابن مسعود أيضا : " قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دية الخطأ أخماسا : خمسا جذاعا ، وخمسا حقاقا ، وخمسا بنات لبون ، وخمسا بنات مخاض ، وخمسا بني لبون ذكور " ؛ فجعل مكان بني المخاض : بني اللبون ، ووافق رواية أبي عبيدة ، عن عبد الله .

                                                          3321 \ 268 - حدثنا بذلك أحمد بن محمد بن رميح ، حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق العنزي ، نا علي بن حجر ، نا إسماعيل بن عياش ، ورواه أبو معاوية الضرير ، وحفص بن غياث ، وعمرو بن هاشم أبو مالك الجنبي ، وأبو خالد الأحمر ، كلهم عن حجاج بهذا الإسناد ، عن زيد بن حية ، عن خشف بن مالك ، عن عبد الله ، قال : " جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دية الخطأ أخماسا " لم يزيدوا على هذا ، ولم يذكروا فيه تفسير الأخماس .

                                                          [ ص: 96 ]

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية