الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى

                                                                                                                                                                                                خاطب الاثنين ، ووجه النداء إلى أحدهما وهو موسى ، لأنه الأصل في النبوة ، وهارون وزيره وتابعه ، ويحتمل أن يحمله خبثه ودعارته على استدعاء كلام موسى دون كلام أخيه ؛ لما عرف من فصاحة هارون والرتة في لسان موسى ؛ ويدل عليه قوله : أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين [الزخرف : 52 ] ، " خلقهن " : أول مفعولي أعطى ، أي : أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به ، أو ثانيهما ، أي : أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به ، كما أعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار ، والأذن الشكل الذي يوافق الاستماع ؛ وكذلك الأنف واليد والرجل واللسان : كل [ ص: 86 ] واحد منها مطابق لما علق به من المنفعة ، غير ناب عنه ، أو أعطى كل حيوان نظيره في الخلق والصورة ، حيث جعل الحصان والحجر زوجين ، والبعير والناقة ، والرجل والمرأة ، فلم يزاوج منها شيئا غير جنسه وما هو على خلاف خلقه ، وقرئ : "خلقه " : صفة للمضاف أو للمضاف إليه ، أي : كل شيء خلقه الله لم يخله من عطائه وإنعامه ، ثم هدى أي : عرف كيف يرتفق بما أعطى ، وكيف يتوصل إليه ، ولله در هذا الجواب ما أخصره وما أجمعه ، وما أبينه لمن ألقى الذهن ونظر بعين الإنصاف وكان طالبا للحق .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية