الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        6432 - حدثنا فهد قال : ثنا أبو نعيم ، قال : ثنا مسعر بن كدام ، عن أبي عون الثقفي ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد ، عن عبد الله بن عباس قال : حرمت الخمر بعينها ، والسكر من كل شراب .

                                                        فأخبر ابن عباس أن الحرمة وقعت على الخمر بعينها ، وعلى السكر من سائر الأشربة سواها .

                                                        فثبت بذلك أن ما سوى الخمر التي حرمت مما يسكر كثيره ، قد أبيح شرب قليله الذي لا يسكر ، على ما كان عليه من الإباحة المتقدمة تحريم الخمر ، وأن التحريم الحادث ، إنما هو في عين الخمر والسكر مما في سواها من الأشربة .

                                                        فاحتمل أن يكون الخمر المحرمة ، هي عصير العنب خاصة ، واحتمل أن يكون كل ما خمر ، من عصير العنب وغيره .

                                                        فلما احتمل ذلك ، وكانت الأشياء قد تقدم تحليلها جملة ، ثم حدث تحريم في بعضها ، لم يخرج شيء مما قد أجمع على تحليله ، إلا بإجماع يأتي على تحريمه .

                                                        [ ص: 215 ] ونحن نشهد على الله عز وجل ، أنه حرم عصير العنب إذا حدثت فيه صفات الخمر ، ولا نشهد عليه أنه حرم ما سوى ذلك إذا حدث فيه مثل هذه الصفة .

                                                        فالذي نشهد على الله بتحريمه إياه هو الخمر الذي آمنا بتأويلها ، من حيث قد آمنا بتنزيلها .

                                                        والذي لا نشهد على الله أنه حرم هو الشراب الذي ليس بخمر .

                                                        فما كان من خمر ، فقليله وكثيره حرام ، وما كان مما سوى ذلك من الأشربة ، فالسكر منه حرام ، وما سوى ذلك منه مباح .

                                                        هذا هو النظر عندنا ، وهو قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد رحمهم الله .

                                                        غير نقيع الزبيب والتمر خاصة ، فإنهم كرهوا .

                                                        وليس ذلك عندنا في النظر كما قالوا ، لأنا وجدنا الأصل المجمع عليه أن العصير وطبيخه سواء ، وأن الطبخ لا يحل به ، ما لم يكن حلالا قبل الطبخ ، إلا الطبخ الذي يخرجه من حد العصير ، إلى أن يصير في حد العسل ، فيكون بذلك حكمه حكم العسل .

                                                        فرأينا طبيخ الزبيب والتمر مباحا باتفاقهم .

                                                        فالنظر على ذلك أن يكون فيهما كذلك ، فيستوي نبيذ التمر والعنب ، النيء والمطبوخ ، كما استوى العصير وطبيخه .

                                                        فهذا هو النظر ، ولكن أصحابنا خالفوا ذلك ، للتأويل الذي تأولوا عليه حديث أبي هريرة وأنس اللذين ذكرنا ، وشيء رووه عن سعيد بن جبير .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية