الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 525 ] قال : ( ومن غصب عبدا فباعه وأعتقه المشتري ثم أجاز المولى البيع فالعتق جائز ) استحسانا ، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله ، وقال محمد رحمه الله : لا يجوز لأنه لا عتق بدون الملك . قال عليه الصلاة والسلام : " { لا عتق فيما لا يملك ابن آدم }" والموقوف لا يفيد الملك ، ولو ثبت في الآخرة يثبت مستندا ، وهو ثابت من وجه دون وجه ، والمصحح للإعتاق الملك الكامل لما روينا ، ولهذا لا يصح أن يعتق الغاصب ثم يؤدي الضمان ولا أن يعتق المشتري والخيار للبائع ثم يجيز البائع ذلك ، وكذا لا يصح بيع المشتري من الغاصب فيما نحن فيه مع أنه أسرع نفاذا حتى نفذ من الغاصب إذا أدى الضمان وكذا لا يصح إعتاق المشتري من الغاصب إذا أدى الغاصب الضمان . ولهما : أن الملك ثبت موقوفا بتصرف مطلق موضوع لإفادة الملك ولا ضرر فيه على ما مر فتوقف الإعتاق مرتبا عليه وينفذ بنفاذه فصار كإعتاق المشتري من الراهن وكإعتاق الوارث عبدا من التركة وهي مستغرقة بالديون يصح وينفذ إذا قضى الديون بعد ذلك ، بخلاف إعتاق الغاصب بنفسه لأن الغصب غير موضوع لإفادة الملك ، وبخلاف ما إذا كان في البيع خيار البائع لأنه ليس بمطلق ، وقران الشرط به يمنع انعقاده في حق الحكم أصلا ، وبخلاف بيع المشتري من الغاصب إذا باع لأن بالإجازة يثبت للبائع ملك بات فإذا طرأ على ملك موقوف لغيره أبطله . وأما إذا أدى الغاصب الضمان ينفذ إعتاق المشتري منه كذا ذكره هلال رحمه الله ، وهو الأصح .

                                                                                                        قال : ( فإن قطع يد العبد فأخذ أرشها ثم أجاز المولى البيع فالأرش [ ص: 526 ] للمشتري ) لأن الملك قد تم له من وقت الشراء ، فتبين أن القطع حصل على ملكه ، وهذه حجة على محمد . والعذر له أن الملك من وجه يكفي لاستحقاق الأرش كالمكاتب إذا قطعت يده وأخذ الأرش ثم رد في الرق يكون الأرش للمولى فكذا إذا قطعت يد المشترى في يد المشتري والخيار للبائع ثم أجيز البيع فالأرش للمشتري بخلاف الإعتاق على ما مر ( ويتصدق بما زاد على نصف الثمن ) لأنه لم يدخل في ضمانه أو فيه شبهة عدم الملك .

                                                                                                        قال : ( فإن باعه المشتري من آخر ثم أجاز المولى البيع الأول لم يجز البيع الثاني ) لما ذكرنا ، ولأن فيه غرر الانفساخ على اعتبار عدم الإجازة في البيع الأول والبيع يفسد به ، بخلاف الإعتاق عندهما لا يؤثر فيه الغرر . قال : ( فإن لم يبعه المشتري فمات في يده أو قتل ثم أجاز البيع لم يجز ) لما ذكرنا أن الإجازة من شروطها قيام المعقود عليه وقد فات بالموت ، وكذا بالقتل إذ لا يمكن إيجاب البدل للمشتري بالقتل حتى يعد باقيا ببقاء البدل ، لأنه لا ملك للمشتري عند القتل ملكا يقابل بالبدل فتحقق الفوات بخلاف البيع الصحيح لأن ملك المشتري ثابت فأمكن إيجاب البدل له فيكون البيع قائما بقيام خلفه .

                                                                                                        [ ص: 522 - 525 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 522 - 525 ] حديث :

                                                                                                        " { لا عتق فيما لا يملك ابن آدم }" أخرجه أبو داود ، والترمذي في " الطلاق " ، واللفظ للترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ، ولا عتق له فيما لا يملك ، ولا طلاق له فيما لا يملك }" انتهى .

                                                                                                        وقال : حديث حسن صحيح ، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب ، وقد تقدم في " كتاب العتق " بجميع طرقه ، والكلام عليه .




                                                                                                        الخدمات العلمية