الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 166 ] وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما

                                                                                                                                                                                                                                      وقضى ربك أي: أمر أمرا مبرما، وقرئ: (وأوصى ربك) (ووصى ربك) ألا تعبدوا أي: بأن لا تعبدوا إلا إياه . على أن "أن" مصدرية، و "لا" نافية، أو أي لا تعبدوا على أنها مفسرة، ولا ناهية; لأن العبادة غاية التعظيم، فلا تحق إلا لمن له غاية العظمة، ونهاية الإنعام، وهو كالتفصيل للسعي للآخرة. وبالوالدين أي: وبأن تحسنوا بهما، أو وأحسنوا بهما. إحسانا لأنهما السبب الظاهر للوجود والتعيش. إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما إما مركبة من "إن" الشرطية، و "ما" المزيدة لتأكيدها، ولذلك دخل الفعل نون التأكيد، ومعنى "عندك": في كنفك، وكفالتك. وتقديمه على المفعول مع أن حقه التأخر عنه للتشويق إلى وروده، فإنه مدار تضاعف الرعاية والإحسان. و "أحدهما" فاعل للفعل، وتأخيره عن الظرف، والمفعول لئلا يطول الكلام به وبما عطف عليه، وقرئ: (يبلغان) فأحدهما بدل من ضمير التثنية، وكلاهما عطف عليه، ولا سبيل إلى جعل كلاهما تأكيدا للضمير، وتوحيد ضمير الخطاب في عندك، وفيما بعده مع أن ما سبق على الجمع للاحتراز عن التباس المراد ، فإن المقصود نهي كل أحد عن تأفيف والديه، ونهرهما، ولو قوبل الجمع بالجمع، أو بالتثنية لم يحصل هذا المرام. فلا تقل لهما أي: لواحد منهما حالتي الانفراد، والاجتماع. أف وهو صوت ينبئ عن تضجر، أو اسم فعل هو أتضجر، وقرئ: بالكسر بلا تنوين، وبالفتح والضم منونا، وغير منون، أي: لا تتضجر بها تستقذر منهما، وتستثقل من مؤنهما، وبهذا النهي يفهم النهي عن سائر ما يؤذيهما بدلالة النص، وقد خص بالذكر بعضه إظهارا للاعتناء بشأنه فقيل: ولا تنهرهما أي: لا تزجرهما عما لا يعجبك بإغلاظ. قيل: النهي والنهر والنهم أخوات. وقل لهما بدل التأفيف والنهر، قولا كريما ذا كرم، أو هو وصف له بوصف صاحبه، أي: قولا صادرا عن كرم ولطف، وهو القول الجميل الذي يقتضيه حسن الأدب، ويستدعيه النزول على المروءة، مثل أن يقول: يا أباه، ويا أماه كدأب إبراهيم عليه السلام، إذ قال لأبيه: يا أبت. مع ما به من الكفر، ولا يدعوهما بأسمائهما، فإنه من الجفاء، وسوء الأدب، وديدن الدعار. وسئل الفضيل بن عياض عن بر الوالدين فقال: أن لا تقوم إلى خدمتهما عن كسل. وقيل: أن لا ترفع صوتك عليهما، ولا تنظر إليهما شزرا، ولا يريا منك مخالفة في ظاهر ولا باطن، وأن تترحم عليهما ما عاشا، وتدعو لهما إذا ماتا، وتقوم بخدمة أودائهما من بعدهما، فعن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه ".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية