الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب إجابة الداعي 2749 - ( عن أبي هريرة قال : { شر الطعام طعام الوليمة تدعى لها الأغنياء وتترك الفقراء ، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله } . متفق عليه .

                                                                                                                                            وفي رواية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها ، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله } . رواه مسلم ) .

                                                                                                                                            2750 - ( وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم لها } ، وكان ابن عمر يأتي الدعوة في العرس وغير العرس ، ويأتيها وهو صائم متفق عليه .

                                                                                                                                            وفي رواية : { إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها } متفق عليه . ورواه أبو داود [ ص: 212 ] وزاد : { فإن كان مفطرا فليطعم ، وإن كان صائما فليدع } وفي رواية : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من دعي فلم يجب فقد عصى الله ورسوله ، ومن دخل على غير دعوة دخل سارقا وخرج مغيرا } رواه أبو داود .

                                                                                                                                            وفي لفظ : { إذا دعا أحدكم أخاه فليجب } رواه أحمد ومسلم وأبو داود وفي لفظ : { إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب } .

                                                                                                                                            وفي لفظ : { من دعي إلى عرس أو نحوه فليجب } رواهما مسلم وأبو داود ) .

                                                                                                                                            2751 - ( وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، فإن شاء طعم وإن شاء ترك } رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه وقال فيه : " وهو صائم " ) .

                                                                                                                                            2752 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا دعي أحدكم فليجب ، فإن كان صائما فليصل ، وإن كان مفطرا فليطعم } رواه أحمد ومسلم وأبو داود .

                                                                                                                                            وفي لفظ : { إذا دعي أحدكم إلى الطعام وهو صائم فليقل : إني صائم } رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي ) .

                                                                                                                                            2753 - ( وعن أبي هريرة { عن النبي صلى الله عليه وسلم : إذا دعي أحدكم إلى الطعام ، فجاء مع الرسول فذلك له إذن } رواه أحمد وأبو داود ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الرواية التي انفرد بها أبو داود بلفظ : { ومن دخل على غير دعوة دخل سارقا } . . . إلخ في إسنادها أبان بن طارق البصري ، سئل عنه أبو زرعة الرازي فقال : شيخ مجهول . وقال أبو أحمد بن عدي : وأبان بن طارق لا يعرف إلا بهذا الحديث ، وهذا الحديث معروف به وليس له أنكر من هذا الحديث .

                                                                                                                                            وفي إسناده أيضا درست بن زياد ولا يحتج بحديثه ، ويقال : هو درست بن حمزة ، وقيل : بل هما اثنان ضعيفان .

                                                                                                                                            وحديث أبي هريرة الآخر رجال إسناده ثقات ; لكنه قال أبو داود : يقال : قتادة لم يسمع من أبي رافع شيئا . قوله : { شر الطعام طعام الوليمة } إنما سماه شرا لما ذكر عقبه ، فكأنه قال : شر الطعام الذي شأنه كذا .

                                                                                                                                            وقال الطيبي : اللام في الوليمة للعهد إذ كان من عادة الجاهلية أن يدعوا الأغنياء ويتركوا الفقراء ، وقوله : " يدعى " . . . إلخ ، استئناف وبيان لكونها شر الطعام . وقال [ ص: 213 ] البيضاوي : " من " مقدرة ، كما يقال : شر الناس من أكل وحده : أي من شرهم . قوله : ( تدعى . . . إلخ ) الجملة في موضع الحال . ووقع في رواية للطبراني من حديث ابن عباس : { بئس الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الشبعان ويحبس عنه الجوعان } . قوله : ( فقد عصى الله ورسوله ) احتج بهذا من قال بوجوب الإجابة إلى الوليمة ; لأن العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب . وقد نقل ابن عبد البر والقاضي عياض والنووي الاتفاق على وجوب الإجابة لوليمة العرس .

                                                                                                                                            قال في الفتح : وفيه نظر ، نعم المشهور من أقوال العلماء الوجوب ، وصرح جمهور الشافعية والحنابلة بأنها فرض عين ، ونص عليه مالك . وعن بعض الشافعية والحنابلة أنها مستحبة . وذكر اللخمي من المالكية أنه المذهب . وعن بعض الشافعية والحنابلة هي فرض كفاية .

                                                                                                                                            وحكي في البحر عن العترة والشافعي أن الإجابة إلى وليمة العرس مستحبة كغيرها ، ولم يحك الوجوب إلا عن أحد قولي الشافعي ، فانظر كم التفاوت بين من حكى الإجماع على الوجوب وبين من لم يحكه إلا عن قول لبعض العلماء ، والظاهر الوجوب للأوامر الواردة بالإجابة من غير صارف لها عن الوجوب ، ولجعل الذي لم يجب عاصيا ، وهذا في وليمة النكاح في غاية الظهور ، وأما في غيرها من الولائم الآتية ، فإن صدق عليها اسم الوليمة شرعا كما سلف في أول الباب كانت الإجابة إليها واجبة .

                                                                                                                                            لا يقال : ينبغي حمل مطلق الوليمة على الوليمة المقيدة بالعرس كما وقع في رواية حديث ابن عمر المذكورة بلفظ : { إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب } . لأنا نقول : ذلك غير ناتج للتقييد لما وقع في الرواية المتعقبة لهذه الرواية بلفظ { من دعي إلى عرس أو نحوه } وأيضا قوله : { من لم يجب الدعوة فقد عصى الله } يدل على وجوب الإجابة إلى غير وليمة العرس . قال في الفتح : وأما الدعوة فهي أعم من الوليمة ، وهي بفتح الدال على المشهور ، وضمها قطرب في مثلثاته وغلطوه في ذلك على ما قال النووي .

                                                                                                                                            وقال في الفتح أيضا في باب آخر : والذي يظهر أن اللام في الدعوة للعهد من الوليمة المذكورة أولا . قال : وقد تقدم أن الوليمة إذا أطلقت حملت على طعام العرس بخلاف سائر الولائم فإنها تقيد ، انتهى . ويجاب أولا بأن هذا مصادرة على المطلوب ; لأن الوليمة المطلقة هي محل النزاع . وثانيا بأن في أحاديث الباب ما يشعر بالإجابة إلى كل دعوة ، ولا يمكن فيه ما ادعاه في الدعوة وذلك نحو ما في رواية ابن عمر بلفظ : " من دعي فلم يجب فقد عصى الله " وكذلك قوله : { من دعي إلى عرس أو نحوه فليجب } وقد ذهب إلى وجوب الإجابة مطلقا بعض الشافعية ، ونقله ابن عبد البر عن عبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة . وزعم ابن حزم أنه قول جمهور الصحابة والتابعين . وجزم بعدم الوجوب في غير وليمة النكاح المالكية والحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية ، وبالغ السرخسي منهم ، فنقل فيه الإجماع . وحكاه [ ص: 214 ] صاحب البحر عن العترة ، ولكن الحق ما ذهب إليه الأولون لما عرفت . قال في الفتح بعد أن حكى وجوب الإجابة إلى وليمة العرس : إن شرط وجوبها أن يكون الداعي مكلفا حرا رشيدا ، وأن لا يخص الأغنياء دون الفقراء ، وأن لا يظهر قصد التودد لشخص لرغبة فيه أو رهبة منه ، وأن يكون الداعي مسلما على الأصح ، وأن يختص باليوم الأول على المشهور ، وأن لا يسبق ، فمن سبق تعينت الإجابة له دون الثاني ، وأن لا يكون هناك ما يتأذى بحضوره من منكر أو غيره ، وأن لا يكون له عذر ، وسيأتي البحث عن أدلة هذه الأمور إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                            قوله : ( دخل سارقا وخرج مغيرا ) بضم الميم وكسر الغين المعجمة اسم فاعل من أغار يغير : إذا نهب مال غيره ، فكأنه شبه دخوله على الطعام الذي لم يدع إليه بدخول السارق الذي يدخل بغير إرادة المالك لأنه اختفى بين الداخلين ، وشبه خروجه بخروج من نهب قوما وخرج ظاهرا بعدما أكل ، بخلاف الدخول فإنه دخل مختفيا خوفا من أن يمنع ، وبعد الخروج قد قضى حاجته فلم يبق له حاجة إلى التستر .

                                                                                                                                            قوله : ( فإن شاء طعم ) بفتح الطاء وكسر العين : أي أكل . قوله : ( وإن شاء ترك ) فيه دليل على أن نفس الأكل لا يجب على المدعو في عرس أو غيره ، وإنما الواجب الحضور . وصحح النووي وجوب الأكل ورجحه أهل الظاهر ، ولعل متمسكه في الرواية الأخرى من قوله : " وإن كان مفطرا فليطعم " . قوله : ( فإن كان صائما فليصل ) وقع في رواية هشام بن حسان في آخره " والصلاة : الدعاء " ويؤيده ما وقع عند أبي داود من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع في آخر الحديث المرفوع : { فإن كان مفطرا فليطعم ، وإن كان صائما فليدع } وهو يرد قول بعض الشراح أنه محمول على ظاهره ، وأن المراد فليشتغل بالصلاة ليحصل له فضلها ويحصل لأهل المنزل والحاضرين بركتها . ويرده أيضا حديث : { لا صلاة بحضرة طعام } .

                                                                                                                                            وفي الحديث دليل على أنه يجب الحضور على الصائم ولا يجب عليه الأكل ، ولكن هذا بعد أن يقول للداعي : إني صائم ، كما في الرواية الأخرى فإن عذره من الحضور بذلك وإلا حضر ، وهل يستحب له أن يفطر إن كان صومه تطوعا ؟ قال أكثر الشافعية وبعض الحنابلة : إن كان يشق على صاحب الدعوة صومه فالأفضل الفطر وإلا فالصوم . وأطلق الروياني استحباب الفطر ، وهذا على رأي من يجوز الخروج من صوم النفل . وأما من يوجب الاستمرار فيه بعد التلبس به فلا يجوزه .

                                                                                                                                            قوله : ( فذلك إذن له ) فيه دليل على أنه لا يجب الاستئذان على المدعو إذا كان معه رسول الداعي وأن كون الرسول معه بمنزلة الإذن .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية