الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            2554 - ( وعن عمران بن حصين : { أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن ابن ابني مات فما لي من ميراثه ؟ قال : لك السدس فلما أدبر دعاه قال : لك سدس آخر ، فلما أدبر دعاه فقال : إن السدس الآخر طعمة } رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ) .

                                                                                                                                            2555 - ( وعن الحسن : أن عمر { سأل عن فريضة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجد ، فقام معقل بن يسار المزني فقال : قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ماذا ؟ قال : السدس ، قال : مع من ؟ قال : لا أدري ، قال : لا دريت فما تغني إذن } رواه أحمد )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث عمران بن حصين هو من رواية الحسن البصري عنه ، وقد قال علي بن المديني وأبو حاتم الرازي وغيرهما : إنه لم يسمع منه وحديث معقل بن يسار أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وابن ماجه ولكنه منقطع ، لأن الحسن البصري لم يدرك السماع من عمر ، فإنه ولد في سنة إحدى وعشرين ، وقتل عمر في سنة ثلاث وعشرين ، وقيل : سنة أربع وعشرين وذكر أبو حاتم الرازي أنه لم يصح للحسن سماع من معقل بن يسار وقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما حديث الحسن عن معقل

                                                                                                                                            وحديث عمران يدل على أن الجد يستحق ما فرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قتادة : لا ندري مع أي شيء ورثه قال : وأقل ما يرثه الجد السدس قيل : وصورة هذه المسألة أنه ترك الميت بنتين وهذا السائل فللبنتين الثلثان والباقي ثلث دفع صلى الله عليه وسلم منه إلى الجد سدسا بالفرض لكونه جدا ، ولم يدفع إليه السدس الآخر الذي يستحقه بالتعصيب لئلا يظن أن فرضه الثلث وتركه حتى ولى : أي ذهب فدعاه وقال : لك سدس آخر ، ثم أخبره أن هذا السدس [ ص: 74 ] طعمة : أي زائد على السهم المفروض ، وما زاد على المفروض فليس بلازم كالفرض .

                                                                                                                                            وقد اختلف الصحابة في الجد اختلافا طويلا ففي البخاري تعليقا يروى عن علي وعمر وزيد بن ثابت وابن مسعود في الجد قضايا مختلفة وقد ذكر البيهقي في ذلك آثارا كثيرة وروى الخطابي في الغريب بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين قال : سألت عبيدة عن الجد فقال : ما يصنع بالجد لقد حفظت فيه عن عمر مائة قضية يخالف بعضها بعضا ثم أنكر الخطابي هذا إنكارا شديدا ، وسبقه إلى ذلك ابن قتيبة قال الحافظ : وهو محمول على المبالغة كما حكى ذلك البزار وجعله ابن عباس كالأب كما رواه البيهقي عنه وعن غيره وروي أيضا من طريق الشعبي قال : كان من رأي أبي بكر وعمر أن الجد أولى من الأخ ، وكان عمر يكره الكلام فيه وروى البيهقي أيضا عن علي أنه شبه الجد بالبحر والنهر الكبير والأب بالخليج المأخوذ منه والميت وإخوته كالساقيتين الممتدتين من الخليج ، والساقية إلى الساقية أقرب منها إلى البحر ، ألا ترى إذا سدت إحداهما أخذت الأخرى ماءها ولم يرجع إلى البحر وشبهه زيد بن ثابت الأنصاري بساق الشجرة وأصلها والأب كغصن منها والإخوة كغصنين تفرعا من ذلك الغصن ، وأحد الغصنين إلى الآخر أقرب منه إلى أصل الشجرة ، ألا ترى أنه إذا قطع أحدهما امتص الآخر ما كان يمتص المقطوع ولا يرجع إلى الساق ؟ هكذا رواه البيهقي ورواه الحاكم بغير هذا السياق ، وأخرجه ابن حزم في الأحكام من طريق إسماعيل القاضي عن إسماعيل بن أبي أويس عن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه فذكر قصة زيد بن ثابت

                                                                                                                                            قال في البحر : مسألة علي وابن مسعود وزيد بن ثابت والأكثر : ولا يسقط الإخوة الجد بل يقاسمهم بخلاف الأب وإن اختلفوا في كيفية المقاسمة أبو بكر وعائشة وابن الزبير ومعاذ والحسن البصري وبشر بن غياث ، بل يسقط الإخوة كالأب إذ سماه الله أبا فقال : { ملة أبيكم إبراهيم } لنا قوله تعالىفي الأخ : { وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } ، وهذا عام لا يخرج منه إلا ما خصه دليل ، ولولا الإجماع لما سقط مع الأب لهذه الآية ، وإن الإخوة كالبنين بدليل تعصيبهم أخواتهم ، فوجب أن لا يسقطوا مع الجد .

                                                                                                                                            وأما تسمية الجد أبا فمجاز فلا يلزمنا قال : فرع : اختلف في كيفية المقاسمة ، فقال علي وابن أبي ليلى والحسن بن زياد والإمامية يقاسمهم ما لم تنقصه المقاسمة عن السدس ، فإن نقصته رد إلى السدس وعن علي أنه يقاسم إلى التسع روته الإمامية قلنا : روايتنا أشهر إذ راويها زيد بن علي عن أبيه عن جده وقال ابن مسعود وزيد بن علي والشافعي وأبو يوسف ومحمد والناصر ومالك : بل يقاسمهم إلى الثلث ، فإن نقصته المقاسمة عنه رد إليه ثم استدل لهم بحديث عمران بن حصين المذكور

                                                                                                                                            وقال الناصر : إن الجد يقاسم الإخوة أبدا وقد روى ابن حزم [ ص: 75 ] عن قوم من السلف أن الإخوة يسقطون الجد وقد قيل : إن المثل الذي ذكره علي ، والمثل الذي ذكره ابن مسعود يستلزمان أن يكون الإخوة أولى من الأب ولا قائل به وللأخ مزايا منها النص على ميراثه في القرآن وتعصيبه لأخته وأجيب عن الأولى بأن الجد مثله فيها لأنه أب وهو منصوص على ميراثه في القرآن ، ورد بأن ذلك مجاز لا حقيقة وأجيب بأن الأصل في الإطلاق الحقيقة وأيضا للجد مزايا : منها أنه يرث مع الأولاد ومنها أنه يسقط الإخوة لأم اتفاقا .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية