الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون

لما سردت الآيات صفات الله تعالى التي تبين فساد حال الأصنام كان من أبينها أن الأصنام موات جماد، وأنه عز وجل الحي القيوم، وصدور الأمر من لدنه، وإيجاد الأشياء وتدبير الأمر كله وعلمه بالكل، دليل قاطع على أنه حي لا إله إلا هو.

وقوله: فادعوه مخلصين له الدين، الحمد لله رب العالمين كلام متصل مقتضاه: ادعوه مخلصين بالحمد، وبهذه الألفاظ قال ابن عباس رضي الله عنهما: من قال: "لا إله إلا الله" فليقل أثرها: "الحمد لله رب العالمين"، وقال نحو هذا سعيد بن جبير ثم قرأ هذه الآية.

ثم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصدع بأنه نهي عن عبادة الأصنام التي عبدها الكفار من [ ص: 455 ] دون الله سبحانه وتعالى، ووقع النهي لما جاءه الوحي والهدى من ربه، وأمر بالإسلام الذي هو الإيمان والأعمال. وقوله تعالى: لرب العالمين أي أن أستسلم لرب العالمين وأخضع له بالطاعة.

ثم بين تعالى أمر الوحدانية والألوهية بالعبرة في ابن آدم وتدريج خلقه، فأوله خلق آدم عليه السلام من تراب من طين لازب، فجعل البشر من التراب كما كان منسلا من المخلوق من التراب، وقوله: من نطفة إشارة إلى التناسل من آدم فمن بعده و"النطفة" [هي] الماء الذي خلق المرء منه، و"العلقة": الدم الذي يصير من النطفة، و"الطفل" هنا اسم جنس، و"بلوغ الأشد" اختلف فيه، فقيل: ثلاثون، وقيل: ستة وثلاثون، وقيل: أربعون، وقيل: ستة وأربعون، وقيل: عشرون، وقيل: ثمانية عشر، وقيل: خمسة عشر، وهذه الأقوال الأخيرة ضعيفة في الأشد.

وقوله تعالى: ومنكم من يتوفى من قبل عبارة تتردد في الأدراج المذكورة كلها، فمن الناس من يموت قبل أن يخرج طفلا، وآخرون قبل الأشد، وآخرون قبل الشيخوخة، وقوله تعالى: ولتبلغوا أجلا مسمى أي: هذه الأصناف كلها مخلوقة ميسرة ليبلغ كل واحد منها أجلا مسمى لا يتعداه ولا يتخطاه، ولتكون معتبرا، ولعلكم أيها البشر تعقلون الحقائق إذا نظرتم في هذا وتدبرتم حكمة الله.

التالي السابق


الخدمات العلمية