الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 138 ] فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا ارتهنت نخلا ببئرها أو زرعها أخضر ببئره فانهارت ببئرها فأبى الراهن الإصلاح فأصلحتها صونا للنخل أو للزرع فلا رجوع لك بالنفقة على الراهن ، بل ذلك في الزرع ورقاب النخل تبدأ منه بنفقتكما ، فما فضل فلدينك ، فما فضل فلربه ، كالمكتري سنين أو المساقي ينفق في ذلك ليس له إلا ما زاد على كراء تلك السنة أو حظ رب النخل من ثمره تلك السنة في المساقاة . فإن أنفق الراهن عليه مالا من أجنبي فالأجنبي أحق بثمن الزرع من المرتهن ، والفاضل للمرتهن . وفي النكت : قال بعض القرويين : إنما يكون الأجنبي أحق إذا قال له نفقتك في هذا الزرع وهو لك رهن ، وإلا فهو سلف في ذمته ولا يكون أحق .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا ارتهنته ثوبا ورضي الراهن بجعله على يدك جاز وتضمن حصتك وبقيته من الراهن . وإن لم يجعله على يد أحد كما جعلتماه حيث شئتما وضمنتماه . قال ابن يونس إنما يضمنانه إذا قبضاه وجعلاه هما بيد أمين ، وإن لم يجعل بيد أمين لم يضمناه في كتاب واحد والسلف واحد فليس لأحدكما أن يقضي دون صاحبه ، وإن كانا مفترقين مالا وطعاما فلا يدخل أحدهما فيما يقضي الآخر ، كانا في كتاب أم لا ، وإنما يرتبطان إذا اتحد الكتاب والحق ويكون بينهما ، أو يرهنان في شيء واحد وإن لم يكتبا ، كنوع واحد ذهب أو طعام فلا يقضي أحدهما دون الآخر .

                                                                                                                في التنبيهات : جوز بعضهم من هاهنا حوز المشاع مع الراهن المالك لنفسه ، والمشهور لا بد من حوز جميعه أو يجعلانه تحت يد غيرهما ، وقيل : يجوز إذا حل في المشاع محل صاحبه وكانت يده عليه مع يده ، وقيل : إنما يصح ذلك فيما لا ينقل كالربع ، فلا يصح وضع أيديهما عليه ولا يصح الترجيع لأنه لم يقل إن بقاءه بعد بيده لا يبطل الرهن ، وإنما تكلم على خروجه من الرهن . قال ابن يونس قال بعض الفقهاء : لو أسلفه هذا منفردا ، [ ص: 139 ] ثم أسلفه الآخر لا يدخل أحدهما على صاحبه ولو جمعا في كتاب ، وإنما يجمعان في كتاب إذا باعاه جميعا سلعة أو أقرضاه جميعا واشتركا فيه قبل ذلك . ولا ينبغي الاشتراك في الدين بعد الانفصال فيه لأنه غرر . وقد اختلف في قسمة ما على الرجل الواحد من الدين ، فابتداء ذلك أبعد . وقال ( ش ) متى يرى أحد الراهنين أخذ نصيبه خلافا لأبي حنيفة .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا ارتهنت عبدا فأعرته بغير أمر الراهن فهلك بأمر سماوي لم تضمن أنت ولا المستعير ، وكذلك إن استودعته إلا أن يستعمله المودع أو المستعير عملا أو يبعثه في شغل يعطب في مثله ، فحينئذ يتعين أنك تسببت في هلاكه فتضمن . قال ابن يونس قال سحنون : يضمن المرتهن بتعديه لأن التعدي أحد أسباب الضمان الثلاثة ، والأشبه في هذا وأمثاله الضمان لنقله الرقبة بغير إذن ربها على وجه الاستعمال ، كتعديه على الدابة الميل ونحوه فتعطب مع العلم بأن الميل بهن لا يوجب عطبا .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : لا يمنع رهن الجارية ولا يبعها من وطء زوجها . وإن رهنت أمة عبدك أو هما معا لا يطؤها العبد لأن ذلك كالانتزاع ، ثم هي في الوجهين بعد خلاص الرهن للعبد كما كانت لعدم تحقق الانتزاع وإن ما تقدم شبهة . ولا تزوج الأمة بعد الرهن إلا برضا المرتهن لأنه عيب . قال ابن يونس في الموازية : للعبد المرهون أن يطأ جاريته وأم ولده إذا لم يشترطهما المرتهن استصحابا لمباحه ، وإن رهنهما جميعا لا يطأ لأن ذلك انتزاع للأمة وأم الولد . وقيل : إذا ارتهن عبدا وشرط أن ماله معه رهن وللعبد [ ص: 140 ] جارية للعبد الوطء بخلاف رهنه وجاريته ، وهو خلاف ما تقدم في الموازية ، ولا فرق لشبه الانتزاع في الوجهين . قال ابن عبد الحكم : إذا زوجها ولم يرض المرتهن ؛ فسخ النكاح ، دخل أم لا ، لتضمنه النهي . ولو دخل بغير علم المرتهن فافتضها فعليه صداق المثل يوقف معها في الرهن كالجناية عليها ، فإن نقصها الافتضاض أكثر من الصداق غرم ذلك للسيد ، ويوقف مع الصداق ، ولها الأكثر من المسمى ، أو صداق المثل لعدم تعيين الصحة . ولو افتكها السيد قبل البناء انفسخ لتحريمه في أصله ، ويقول سحنون : أبينها ، ولو لم يكن للسيد مال فسخ النكاح . وإن لم يشعر بذلك حتى بنى ، وله مال تعجل المرتهن دينه ، وثبت النكاح ، وإلا فسخ ، وكان على الزوج الأكثر من المسمى ، وصداق المثل . ولو دفع الزوج للمرتهن جميع دينه ليبقى النكاح أجبر المرتهن على ذلك جمعا بين تصحيح عقدي النكاح والرهن . قال اللخمي : لا خلاف أن العبد لا يطؤها ، وهي رهن ; لأنه انتزاع ، أو تعريض للانتزاع على الخلاف . وإذا رهن دونها . قال ابن مسلمة : لا يطؤها ; لأنه انتزاع ، وشبهه بالبيع . وإذا زوجت الأمة الرهن فسخه يحيى ، وإن أجازه المرتهن على أن يمنع منها حتى يفتك ; لأنه نكاح بشرط عدم الوطء .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجواهر : ينفك الرهن بأحد أربعة أشياء بفسخه ، أو فوات عينه بآفة سماوية حيث يضمنه راهنه ، أو يجني العبد ، ويسلمه فيباع في الجناية ، وبقضاء كل الدين . ووافقنا ( ش ) ، و ( ح ) في أن الرهن لا ينفك بدفع بعض الدين ، وأن أجزاءه مرهونة كجملته بجملة الدين قياسا على الشهادة بجامع التوثق ، وكذلك الكفالة يتعلق بالكفيل الدين وأجزاؤه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : يجوز قول الراهن بع الرهن ، واستوف الثمن ثم استوف لنفسك ، ويتحد القابض والمقبوض كاتحاد الولي والزوج إذا وكلته ، وبيع الأب مال نفسه [ ص: 141 ] لابنه وهبته وصدقته ووقفه عليه وهو صغير ، وقاله ( ح ) ، وأحمد بن حنبل خلافا ( ش ) محتجا بأنه لا يبذل جهده في استيفاء الثمن ، وهو حكمة التوكيل . وجوابه الرضا باجتهاده كما لو كان عاجزا نفذ إجماعا .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في البيان : إذا اشترط المرتهن على العدل ضمان الجارية ، فقال : أنا ضامن لرهنك لا يضمن ما يحدث بهذا الرهن من موت ، وغيره ; لأن المقصود خوف تدليس الراهن مما يخرجه من يده . وكذلك إذا قال : أضمن لك كل شيء إلا الموت ، والإباق إلا أن يقول ضامن له لما نقص من حقك فيضمن كل شيء . قاله مالك ، ورجع إلى أنه يضمن كل شيء في الصيغتين ، ولا فرق لعموم الصيغة ، وقيل : لا تعم في الوجهين نظرا للمقصود ، فتكون ثلاثة أقوال . ولم يختلف قوله في العموم إذا قال : أنا ضامن لما أصاب الرهن .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : المرتهن مقدم على كفن الراهن إذا لم يكن له غيره .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : قال مالك : ( إن ) توفي وترك رهونا مجهولة الأصحاب تباع ، ويترك ثمنها حتى يؤيس منهم فيوفى الغرماء بها ، فإن ظهر مستحق رجع عليهم ، وذلك إذا خشي فساد الرهن ، وإلا فيوقف ; لأنه رهنك إن أمن الفساد ، فإن خشي عليه بيع ، وجعل ثمنه رهنا ، ولا يباع المأمون إلا برضاكما بخلاف المتقارضين يختلفان في مبلغ القراض ينظر السلطان ; لأنك مختص بالرهن بخلاف المقارض .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا قلت دع الرهن عندي إلى غد ، فأسلفك فيهلك قبل غد - ضمنت ما يغاب عليه ; لأنك لم تؤتمن ، بل أخذته رهنا .

                                                                                                                [ ص: 142 ] فرع

                                                                                                                قال : إذا زوجتها من عبدك بغير إذن الراهن فتموت من الولادة لا تضمن عند مالك لأن الحمل ليس من قبلك ، وتضمن عند ابن القاسم لأن الحمل نشأ عن فعلك ، كما لو طرد الصيد من الحرم عليه الجزاء لتعريضه للقتل .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : لا يجوز للمرتهن أن يتحمل للراهن بثمن سلعة يقضيه إياها في حقه لأنه ضمان بجعل ، ولا يبيعه شيئا إلى أجل يصير قضاء من حقه الحال لأنه ربا .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا جاءك غريم قبل أجل دين الرهن قال ابن القاسم إن كان فيه فضل بيع وقضي المرتهن حقه وللغريم الفضل ، وإلا فلا . هذا إن كان دين الرهن عينا أو عرضا من قرض ، أما عروض من بيع فلا تباع إلا إلى الأجل لتعلق الحق في البيع .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : قال ابن القاسم : إذا سلم الأمين الأمة فوطئها بغير علم المرتهن أخذ منه المرتهن حقه وكانت أم ولد ، فإن أعسر فقيمتها من الأمين يوم الوطء لتعديه واتبع الغريم ، فإن أعسرا معا بيعت بعد الوضع للمرتهن أو بعضها لتقدم الدين على سبب العتق ، والولد حر لتخلقه من سيد الأمة ، فإن لم تحمل ولا مال للأمين خرجت من الرهن ، والمرتهن أسوة الغرماء . وعنه هو أحق بها قال : فيضمن للمرتهن بتعديه إن حملت أو قتلها أو دخل عليه الغرماء فيها على القول ببطلان الرهن بالإسلام ، قاله محمد ، وخالفه ابن القاسم إذا لم يعلم المرتهن بردها . والقولان يتخرجان على أن يد الأمين كيد المرتهن ، وهل يشهد على قيمته عنده كما يشهد على يد المرتهن أم لا ؟ وأخذ قيمته عنده كما يشهد على يد المرتهن أم لا ؟ وأخذ قيمتها من الأمين في إعسار الغريم إذا كان الحق قدر القيمة فأكثر ، وإلا فالحق ، فإن لم يوجد من يشتري بعضها بيعت كلها ويتصدق الراهن بالفضل عن الدين لأنه ثمن أم ولد ، وقيل تباع كلها وإن أمكن [ ص: 143 ] بيع البعض نفيا للضرر بتبعيض العتق فيها . ولا تباع في المؤجل حتى يحل الأجل قاله محمد ، وهو على أن الرهن لا يبطل بالإسلام بغير إذن المرتهن ، وعلى القول الآخر لا تباع ، ويتبع المرتهن أيهما أيسر أولا ولا يرجع الأمين على الراهن . وإذا بيع بعضها عتق الباقي عند ابن القاسم لتعذر الوطء ، وقيل : تبقى أم ولد فإن اشترى ما بيع حلت له . وإن فلس وهو يطؤها ولم تحمل فأربعة أقوال : المرتهن أحق بها في ملاء الأمين وعسره ، وهو أسوة الغرماء في ملائه وعسره ، وأحق بها في ملائه وأسوة الغرماء في عدمه لتعذر ما يرجع إليه الغرماء ، وعكسه لوجود ما يقبل الحصاص من الملاء وهو بعيد .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : قال ابن القاسم : إذا أتيت برهن هلك صاحبه فقلت للوارث هذا رهن عندي على كذا وهو لا يعرف الرهن ولا ما عليه ، أخذ الرهن ولا شيء لك إلا ببينة ، وحلف أنه لا يعلم إن كان يتصور منه اطلاع ، وأما الغائب فلا يمين عليه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : قال مالك : إذا رهنت نصف أرضك فأعسر فلا يجوز أن يكريك الرهن لتأخذ منه كل شهر درهمين لأنه دين بدين ، وقيل : يجوز لأن الأرض معينة ليست في الذمة . ولو أكرى الراهن لغيرك جازت حوالتك عليه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجواهر : إذا مات الراهن قبل بدو صلاح الثمرة وإن لم يترك إلا الثمرة وسلم الرهن للورثة وحل دينه وفي أو مالا دون الدين انتظر بدو صلاحها فتباع للذي قبل ذلك ويحاص المرتهن الغرماء في الموت والفلس بجملة دينه ، فيأخذ ما ينوبه ويبقى الرهن بيده فتباع عند بدو الصلاح ، فإن وفى ثمنها الدين رد ما أخذ في الحصاص ، وإن فضل رد الفضل مع ما أخذ ، وإن نقص فمقدار النقص هو الذي كان يستحق أن يحاصص به فيأخذه في الحصاص ويرد باقيه فيتحاص فيه مع الغرماء ، فما بقي فله ولهم .

                                                                                                                [ ص: 144 ] فرع

                                                                                                                قال صاحب الاستذكار : قال مالك : إذا قام أحدهما ببيع الرهن ، والآخر قد أنظره سنة بحقه إن لم تنقص قسمة الرهن حق المتأخر ؛ بيع لهذا نصفه ، فوفي حقه ، وإلا بيع كله ، فأعطي هذا حصته ، ودفعت البقية للراهن إن رضي الذي أنظره ، وإلا حلف المرتهن ما أنظره إلا ليوقف له رهنه على هيئته ثم أعطي حقه . وقال مالك : إذا ارتهنا لا يقضي أحدهما دون الآخر ، وإن رهنا لا يأخذ أحدهما حصته حتى يستوفي المرتهن للضرر في ذلك ، وإن لم يكونا شريكين فيه قبض أحدهما حصته . وقال ( ح ) : الشريكان وغيرهما سواء في المنع نفيا للضرر مطلقا ، وقال ( ش ) : الشريكان وغيرهما سواء في عدم المنع ، راهنان أو مرتهنان ; لأن الأصل عدم الارتباط .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في البيان : قال ابن القاسم : إذا أقر الراهن أن العبد الرهن ابنه لحق به ، واتبع بالدين لنفي التهمة في الإقرار بالنسب . ولو أقر أنه حر لا يقبل إلا أن يكون له مال فيعجل الحق ، وإن لم يحل لانخرام الرهن .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال البصري في تعليقه : إذا استحال العصير خمرا في يد المرتهن ثم انقلبت خلا بقي رهنا . وقال ( ش ) : إن صار العصير خلا بقي رهنا ; لأنه لم يخرج عن المالية ، وإن صار في يد المرتهن خمرا زال ملك الراهن ، وبطل الرهن كالحيوان يموت ، فإن تخللت عاد الملك كجلد الميتة يدبغ ، ويعود الرهن من غير عقد آخر لزوال المانع ، فعمل للسبب السابق . وإن صار خمرا قبل القبض بطل الرهن ، فإن عاد لم يعد الرهن . وقال ( ح ) : لا يبطل الملك بالخمرية ، ولا يبطل الرهن كالعبد يرتد .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية