السلام عليكم

أنا لا أجد الراحة أبدًا منذ أن تعرفت إلى شاب! نحن نخطط للزواج -إن شاء الله-، ولكن دائمًا تحصل بيننا مشاكل، ويخطئ في حقي، ويشتمني في بعض الأحيان، ومع أنه يحبني لكن كثيرًا ما أحس أنه لا يُكِنُّ لي مشاعر محبة، وكثيرًا ما أشعر بالإهانة! وهو يرى أن ذلك أمر طبيعي وعلي تقبُّله، ولا يجب أن أشتكي لأحد.

أتمنى إصلاح وضع هذه العلاقة، لأني كثيرًا ما فكرت في إنهائها، ولكني لا أملك الجرأة الكافية، ولأني لا أعرف ماذا أريد!

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ nina حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله أن يفرج الكرب، وأن ينفس ما تعسر على البشر تنفيسه، وأن ييسر بقدرته ما كان عسيرًا على خَلْقه، وأن يُلهمك طريق الصواب، وأن يُرشدك إلى الحق، وأن يأخذ بناصيتك إليه.

وأما بخصوص ما تفضلت به فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:

أولًا: بالطبع نفترض في رسالتك أن الشاب تقدم إليك وحظي بالموافقة عليه من قبل أهلك - أي قد عقد عليك أو خطبك رسميًا - أما غير ذلك فيختلف الكلام فيه، وعليه إن أردت حقًّا الرشاد في أمرك هذا؛ فإن أول ما ينبغي أن تجيبي عليه هو: أين هذا الشاب من الله عز وجل؟ إن كان متدينًا مقيمًا للصلاة، يخاف ربه ويحافظ على تدينه، فإن هذه الأمور بسيطة ويمكن علاجها بيسر إن شاء الله، وإن كانت الأخرى فإنه بعيد عن الله وبعيد عن الصلاة وبعيد عن الأخلاق المستقيمة، والأمر يحتاج منك إلى مراجعة دقيقة، فقد أخبرنا النبي (ﷺ) أن معيار القبول الذي يجب أن يكون واضحًا عند كل فتاة وكل أسرة مسلمة: الدين والخلق، فقد قال (ﷺ): «إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟ قَالَ: «إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ ‌فَأَنْكِحُوهُ»، ‌ثَلَاثَ ‌مَرَّاتٍ.

ثانيًا: إذا افترضنا صلاح الشاب، فإن علاج تلك المشكلة لا يكون إلَّا بالحوار الهادئ، ينبغي وضع إطار طبيعي للحياة بينكما، عمادها الاحترام المتبادل وعدم اللجوء إلى السب أو الإيذاء.

ثالثًا: عند الاختلاف أو الغضب يجب أن يكون الهدوء هو أول ما تصرفين بصرك إليه، فكوني هادئة ومتماسكة وقوية، واحذري التوتر أو كثرة الكلام، أو الردود الانفعالية أو كثرة الحركة، كل هذه الأمور تزيد أحيانًا من حدة غضبه وعصبيته، فاجتهدي أن تتجنبي أي توتر أو تصعيد.

رابعًا: لا تحدقي النظر إليه ساعة الغضب ولا تتجاهليه، فقط انظري إليه باهتمام لكن دون حدة.

خامسا: أظهري له أنك مهتمة بحديثه، لأن أشد ما يجعل الغضب يفور عند الرجال الذين دخلوا في دوامة العصبية: اعتقادهم أن الزوجة لا تهتم ولا تقدر تعبهم وعناءهم.

سادسًا: تجنبي إثارته، ولا تقولي له إن الموضوع الذي أغضبه أمر تافه لا يستحق الغضب، كما أن هناك بعض الألفاظ قد تزيد من حدة الغضب عند الرجال، فتجنبيها بالكلية، وتجنبي قولك مثلاً: (لماذا أنت غاضبٌ، الأمر لا يستحق، غضبك غير مبرر، أو لا داعي لكل هذا)، مثل هذه العبارات تُشعره بعدم تقديرك لغضبه، أو أنك لا تفهمينه، أو تتعالين عليه، أو تدعين العقل والحكمة، وهذا سيجعل غضبه يزداد حدة، وربما يلجأ إلى إدخال مواضيع أخرى في بعض، بهدف تخطئتك وإرضاء نفسه أنه على الحق، وأنك المخطئة التي لا تقدر تعب زوجها.

وهناك عبارات تؤدي المعنى السابق ولا تزيده غضبًا، مثل: (كل ما تقوله أنا متفهمة له تمامًا، وأُدرك أن الأمر يستحق ذلك، لكني لم أكن أتوقع أن يصل لهذا الحد، أو يكون له هذا المردود السلبي).

سابعًا: بالرغم ممَّا سبق من حديثنا إلَّا أن هذا لا يعني أن تتنازلي له بسرعة حتى تسكتيه، بل أجِّلي النقاش في الأمر الذي علمت خطأه فيه حتى يهدأ، ثم أخبريه بطريقة طيبة أن (الأمر سيكون بخير، ودعنا نتفاهم فيه غدًا أو في المساء أو الصباح)، ومن المهم أن تحددي موعدًا، ويكون الموعد وسطًا بين القريب والبعيد، حتى يهدأ ولا ينسى الأمر.

ثامنًا: بعد انتهاء حدة الغضب ينبغي أن تشعريه أنك متألمة من حديثه، وأنك حزينة لما قاله، ولكن اجعلي هذا الحزن والألم صامتاً ناطقاً، بمعنى يظهر عليك ولا ينطق به لسانك، من دون تقصير في حقوقه أو معاقبة له.

تاسعًا: ننصحك أن تستخيري الله عز وجل قبل الزواج، وأن تستشيري أهل الفضل والحكمة، واعلمي أن هذه المشاكل هي أمور تحدث في كل البيوت، لكن العاقل هو من يدير المشاكل للخروج بأفضل النتائج.

أما إذا كان الأمر مجرد علاقة بينك وبين هذا الشاب، لم يطرق باب أهلك لأجل وضوح هذه العلاقة، والترتيب لها لتكون خطبة وزوجاً؛ فهنا اسمحي لي أن أقول لك: إنك تعرضين نفسك للإثم والامتهان، فالإثم كون هذه العلاقة لا تجوز، فهي بين رجل وامرأة أجنبيين، فحتى لو كانت هناك خطبة فلا ينبغي التوسع فيها، فكيف إذا كانت غير ذلك؟! وأما الامتهان؛ فلأنك رضيت لنفسك هذه المهانة من شاب ليس له عليك طاعة، ولا تربطك به علاقة زواج نحتاج فيها إلى مراعاة جوانب كثيرة للبلوغ لاستقرار الأسرة والحياة الزوجية، أما قبل ذلك فماذا يمكن أن نسميه؟! فاتق الله أختنا الكريمة، ولتكوني قوية بتمسكك بطاعة الله، ومنها ترك هذه العلاقة إن كانت حسب هذا الافتراض الأخير الذي افترضناه، يعني لا تربطك به خطبة ولا زواج، وإنما هو مجرد تفكير وتعارف، فالأصل أن تكوني مطلوبة معززة مكرمة لك قيمتك ويبحث الشاب ويجري وراءك للظفر بك، وليس العكس، تركضين وراءه وهو يشتمك ويهينك.. إذا اتركي هذه العلاقة إن كانت كذلك، وانظري لمعيار قبول الشاب؛ إن تحقق المعيار وهو الدين والخلق، فأخبريه بأن يطرق الباب ويأتي بالأهل والأحباب، وإن لم يتحقق هذا المعيار، فلا يجوز لك أن تذلي نفسك، وأن تتعرضي لغضب الله عليك.

نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، والله الموفق.