الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تقبل توبة من ارتدت وقالت: هي كافرة في كل مرة تنطق بالشهادتين

السؤال

أنا مسلمة، كنت لاجئة في دولة أوروبية، وكنت أعمل مرشدة في أحد المراكز الإسلامية للعائلات المسلمة هناك. وهناك حالة أريد منكم الإرشاد فيها. وهي حالة فتاة مسلمة، وابنة صديقتي، ارتدَّت -والعياذ بالله-، وأقامت علاقة شاذة مع إحدى البنات، ولم نترك مناصحتها.
وفي إحدى المرات سبَّتْنا، وقالت كلاما قبيحا عن الإسلام أخجل عن كتابته لكم، وقالت أيضا: هي كافرة في كل مرة تنطق بالشهادتين، ثم قالت: الآن لا تقدرون على إرجاعي إلى الإسلام لو أردتم، أو حتى أردت أنا.
ثم بعد مدة جاءتنا تريد الرجوع للإسلام، وعندي سؤالان بخصوص هذه الحالة، وأعرف شرطكم بخصوص الإجابة على سؤال واحد فقط.
لهذا؛ إن كان لا بد، فأجيبوا على سؤالي الأول وهو: هل لها من توبة؟ خصوصا أنها حلفت بالكفر في كل مرة تنطق بالشهادتين، ومن معرفتي البسيطة في الفقه، فإن من حلف بالكفر مريدا له -كما يقول ابن تيمية- فإنه يكفر إذا فعل المحلوف عليه، وهي حلفت مريدة الكفر، وأقرت بذلك لي فيما بعد؟
السؤال الثاني: هل نخبر من يخطبها بحالها، علما أن البنت لا زالت عذراء؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يحفظ على أبناء المسلمين دينهم، وأن يُمسِّكنا جميعا بالإسلام حتى نلقاه عليه.

وأما جواب سؤالك فهو: نعم، لها توبة، وحلفها هذا لا يحول بينها وبين العودة للإسلام، لاسيما أنها قد حلفت بعد ردتها عن الدين، فكانت قد كفرت بالفعل، وليس بعد الكفر من ذنب، والكافر لا تجري عليه أحكام المسلمين.

والمقصود أنها إن صدقت في توبتها، فلا يحول بينها وبين الإسلام شيء من قبيح ما فعلته، أو قالته في ردتها. ومن تاب تاب الله عليه، وانظري الفتوى: 170251.

وأما ما نقلته السائلة عن شيخ الإسلام ابن تيمية، فإنه -إن صح عنه- لا يعني أن التوبة ليست مقبولة، أو أن من قال ذلك لزمه حكم الكفر أبدا! وإنما معناه أن من فعل ذلك كفر، لا أن الكفر يلزمه كلما تاب، أو نطق بالشهادتين. فهذا لا نعلم قائلا به من أهل العلم، وانظري الفتوى: 431872.

بل التوبة معروضة على المرتد وغيره من الكفار، لا يحول بينهم وبينها شيء.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز عند قوله تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {التوبة:104}. قال: يتعلق بهذه الآية القول في قبول التوبة، وتلخيص ذلك أن قبول التوبة من ‌الكفر ‌يُقطَع به عن الله -عز وجل- إجماعا، وهذه نازلة هذه الآية، وهذه الفرقة التائبة من النفاق تائبة من كفر. اهـ.

وأما السؤال الثاني، فجوابه: أن ذلك بحسب حالها، فإن عرفتم منها توبة نصوحا، وثباتا على الإسلام، فلا يلزمكم إخبار خاطبها. وأما إن ارتبتم في أمرها، فعليكم إخباره بما تعلمون من حالها؛ من باب النصح للمسلم؛ ففي الصحيحين عن جرير بن عبد الله قال: بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم. وفي صحيح مسلم عن تميم الداري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني