الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
(34) الرابع والثلاثون من شعب الإيمان " وهو باب في حفظ اللسان عما لا يحتاج إليه "

فأول ما دخل في هذا لزوم الصدق ومجانبة الكذب ، وللكذب مراتب ، فأعلاها في القبح والتحريم ، الكذب على الله عز وجل ، ثم على نبيه صلى الله عليه وسلم ، ثم كذب المرء على عينيه ، وعلى لسانه ، وسائر جوارحه ، وكذبه على والديه ثم كذبه على الأقرب ، فالأقرب من المسلمين ، وأغلظ ذلك كله ما يضر به أحدا في نفسه أو ماله أو أهله أو ولده ، ثم الكذب الموثق باليمين أغلظ من الكذب المتجرد عن اليمين .

ويتلو الكذب في الكراهة الملق والإفراط في مدح الرجل ، وأقبح ذلك ما كان في وجهه ويتلوه الخوض فيما لا يعني ، ولا يرجع إلى الخائض فيه منه نفع ، ولا يعود عليه من السكوت ضرر ، ويتلو هذه كثرة الكلام وإطالته مع الاكتفاء ببعضه وترديده ، وتكريره مع الاستغناء بالمرة الواحدة منه .

قال الله - جل ثناؤه - في مدح الصادقين والصادقات : ( إن المسلمين والمسلمات ) إلى قوله : ( والصادقين والصادقات ) .

وقال : ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) .

وأمر المؤمنين بأن يكونوا مع أهل الصدق فقال ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) .

وقال فيما وصى به نبيه صلى الله عليه وسلم ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) .

[ ص: 436 ] وذلك أن يقول : سمعت أو رأيت أو علمت فأبان أن التسرع إلى إطلاق شيء من ذلك دون حقيقة حرام ، ممنوع وقال : ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) .

فأبان أن إخلاف الوعد خلاف ما يوجبه الإيمان وقال في ذم المنافقين : ( ويحلفون على الكذب وهم يعلمون ) .

أي أنهم يكذبون ويحلفون مع ذلك على كذبهم ، وقال : ( فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه ) . وقال " ( والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون ) .

فمدح الصادق عليه والمصدق بما جاء من عنده وذم الكاذب عليه والمكذب بما جاء من عنده ، وقال : ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم ) إلى سائر ما ورد في الكتاب في هذا المعنى " .

التالي السابق


الخدمات العلمية