( 3010 ) فصل : في معرفة العيوب ; وهي ; لأن المبيع إنما صار محلا للعقد باعتبار صفة المالية ، فما يوجب نقصا فيها يكون عيبا ، والمرجع في ذلك إلى العادة في عرف أهل هذا الشأن ، وهم التجار . فالعيوب في الخلقة ; كالجنون ، والجذام ، والبرص ، والعمى ، والعور ، والعرج ، والعفل ، والقرن ، والعتق ، والرتق ، والقرع ، والصمم ، والطرش ، والخرس ، وسائر المرض ، والأصبع الزائدة والناقصة ، والحول ، والخوص ، والسبل ، وهو زيادة في الأجفان ، والتخنيث ، وكونه خنثى ، والخصاء ، والتزوج في الأمة ، والبخر فيها . النقائص الموجبة لنقص المالية في عادات التجار
وهذا كله قول أبي حنيفة . ولا أعلم فيه خلافا . قال والشافعي : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم في الجارية تشترى ولها زوج أنه عيب . وكذلك الدين في رقبة العبد إذا كان السيد معسرا ، والجناية الموجبة [ ص: 114 ] للقود ; لأن الرقبة صارت كالمستحقة لوجوب الدفع في الجناية والبيع في الدين ، ومستحقة للإتلاف بالقصاص ، والزنى والبخر عيب في العبد والأمة جميعا . وبهذا قال ابن المنذر وقال الشافعي : ليس ذلك بعيب في العبد ; لأنه لا يراد للفراش والاستمتاع به ، بخلاف الأمة . أبو حنيفة
ولنا ، أن ذلك ينقص قيمته وماليته ، فإنه بالزنى يتعرض لإقامة الحد عليه والتعزير ، ولا يأمنه سيده على عائلته وحريمه ، والبخر يؤذي سيده ، ومن جالسه وخاطبه أو ساره . وأما السرقة ، والإباق ، والبول في الفراش ، فهي عيوب في الكبير الذي جاوز العشر . وقال أصحاب : في الذي يأكل وحده ويشرب وحده . أبي حنيفة
وقال الثوري وإسحاق : ليس بعيب فيه حتى يحتلم ; لأن الأحكام تتعلق به ، من التكليف ، ووجوب الحدود ، ببلوغه ، فكذلك هذا . ولنا ، أن الصبي العاقل يتحرز من هذا عادة ، كتحرز الكبير ، فوجوده منه في تلك الحال يدل على أن البول لداء في باطنه ، والسرقة والإباق لخبث في طبعه ، وحد ذلك بالعشر لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتأديب الصبي على ترك الصلاة عندها ، والتفريق بينهم في المضاجع لبلوغها .
فأما من دون ذلك فتكون هذه الأمور منه لضعف عقله ، وعدم تثبته . وكذلك إن كان العبد يشرب الخمر ، أو يسكر من النبيذ . نص عليه ; لأنه يوجب عليه الحد ، فهو كالزنى . وكذلك الحمق الشديد ، والاستطالة على الناس ; لأنه يحتاج إلى التأديب ، وربما تكرر فأفضى إلى تلفه ، ولا يكون عيبا إلا في الكبير دون الصغير ; لأنه منسوب إلى فعله . وعدم الختان ليس بعيب في الصغير ; لأنه لم يفت وقته ، ولا في الأمة الكبيرة . وبهذا قال أحمد . الشافعي
وقال أصحاب : هو عيب فيها ; لأنه زيادة ألم ، فأشبهت العبد . ولنا ، أنه ليس بواجب في حقها ، والألم فيه يسير لا يخشى منه التلف ، بخلاف العبد الكبير . فأما العبد الكبير ، فإن كان مجلوبا من الكفار ، فليس ذلك بعيب فيه ; لأن العادة أنهم لا يختتنون ، فصار ذلك معلوما عند المشتري ، فهو كدينهم . وإن كان مسلما مولدا ; فهو عيب فيه ; لأنه يخشى عليه منه ، وهو خلاف العادة . أبي حنيفة
( 3011 ) فصل : والثيوبة ليست عيبا ; لأن الغالب على الجواري الثيوبة ، فالإطلاق لا يقتضي خلافها ، وكونها محرمة على المشتري بنسب أو رضاع ، ليس بعيب ، إذ ليس في المحل ما يوجب خللا في المالية ، ولا نقصا ، وإنما التحريم مختص به . وكذلك الإحرام والصيام ; لأنهما يزولان قريبا . وبهذا قال ، أبو حنيفة . ولا نعلم لهما مخالفا . وكذلك عدة البائن . والشافعي
وأما عدة الرجعية فهي عيب ; لأن الرجعية زوجة ، ولا يؤمن ارتجاعه لها . ومعرفة الغناء والحجامة ليست بعيب . وحكي عن ، في مالك ، أن ذلك عيب فيها ; لأن الغناء محرم . ولنا أن هذا ليس بنقص في عينها ، ولا قيمتها ، فلم يكن عيبا كالصناعة ، ولا نسلم أن الغناء محرم ، وإن سلمناه ، فالمحرم استعماله ، لا معرفته ، والعسر ليس بعيب ، وكان الجارية المغنية يرد به . شريح
ولنا ، أنه ليس بنقص ، وعمله بإحدى يديه يقوم مقام عمله بالأخرى ، والكفر ليس بعيب . وبه قال . وقال الشافعي : هو عيب ; [ ص: 115 ] لأنه نقص ; بدليل قول الله تعالى { أبو حنيفة ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم } .
ولنا ، أن العبيد يكون فيهم المسلم والكافر والأصل فيهم الكفر ، فالإطلاق لا يقتضي خلاف ذلك ، وكون المؤمن خيرا من الكافر لا يقتضي كون الكفر عيبا ، كما أن المتقي خير من غيره ، قال الله تعالى : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } . وليس عدم ذلك عيبا . وكونه ولد زنا ليس بعيب . وبهذا قال . وقال الشافعي : هو عيب في الجارية ; لأنها تراد للافتراش ، بخلاف العبد . ولنا أن النسب في الرقيق غير مقصود ، بدليل أنهم يشترون مجلوبين ، غير معروفي النسب . وكون الجارية لا تحسن الطبخ أو الخبز أو نحو هذا ليس بعيب ; لأن هذه حرفة ، فلم يكن فواتها عيبا ، كسائر الصنائع ، وكونها لا تحيض ، ليس بعيب . أبو حنيفة
وقال : هو عيب إذا كان لكبر ; لأن من لا تحيض لا تحمل . ولنا ، أن الإطلاق لا يقتضي الحيض ، ولا عدمه ، فلم يكن فواته عيبا ، كما لو كان لغير الكبر . الشافعي