( وَ ) يُحَرِّمُ ( الْكَذِبَ ) لَا مُطْلَقًا بَلْ ( قَيَّدَ ) تَحْرِيمَهُ .
مَطْلَبٌ : فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=treesubj&link=18996_19000_19001_19002 { nindex.php?page=hadith&LINKID=31711لَا يَصْلُحُ الْكَذِبُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ } بِغَيْرِ خِدَاعٍ الْكَافِرِينَ بِحَرْبِهِمْ وَلِلْعِرْسِ أَوْ إصْلَاحِ أَهْلِ التَّنَكُّدِ ( بِغَيْرِ ) أَحَدِ ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ :
الْأَوَّلُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ ( خِدَاعِ الْكَافِرِ ) وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْخِدَاعَ إرَادَةُ الْمَكْرُوهِ بِالْإِنْسَانِ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[ ص: 135 ] {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14067الْحَرْبُ خُدْعَةٌ } وَالْكَافِرِينَ جَمْعُ كَافِرٍ مِنْ الْكُفْرِ وَهُوَ ضِدُّ الْإِيمَانِ وَبِفَتْحٍ كَالْكَفُورِ وَالْكُفْرَان بِضَمِّهِمَا وَكَفَرَ نِعْمَةَ اللَّهِ وَبِهَا كَفُورًا وَكُفْرَانًا جَحَدَهَا وَسَتَرَهَا ( بِحَرْبِهِمْ ) أَيْ فِي أَمْرِ حَرْبِهِمْ وَجِهَادِهِمْ وَمَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى خِذْلَانِهِمْ وَفَشَلِهِمْ .
( وَ ) الْمَوْضِعُ الثَّانِي إذَا كَانَ لِغَيْرِ ( الْعِرْسِ ) يَعْنِي وَهِيَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ : الْعِرْسُ بِالْكَسْرِ امْرَأَةُ الرَّجُلِ وَرَجُلُهَا جَمْعُهُ أَعْرَاسٌ .
وَالْمَوْضِعُ الثَّالِثُ : مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( أَوْ ) يَكُونُ الْكَذِبُ لِغَيْرِ ( إصْلَاحِ ) ذَاتِ بَيْنِ ( أَهْلِ التَّنَكُّدِ ) بِمَا يُذْهِبُ وَغْرَ صُدُورِهِمْ وَيَجْمَعُ شَمْلَهُمْ وَيَضُمُّ جَمَاعَتَهُمْ وَيُزِيلُ فُرْقَهُمْ .
وَالْإِصْلَاحُ ضِدُّ الْإِفْسَادِ . قَالَ فِي الْقَامُوسِ : الصَّلَاحُ ضِدُّ الْفَسَادِ ، وَأَصْلَحَهُ ضِدُّ أَفْسَدَهُ ، وَالتَّنَكُّدُ التَّعَاسُرُ . قَالَ فِي الْقَامُوسِ : تَنَاكَدَا تَعَاسَرَا .
وَنَاكَدَهُ عَاسَرَهُ ، وَأَصْلُ النَّكِدِ الشِّدَّةُ وَالْعُسْرَةُ ، يُقَالُ نَكِدَ كَفَرِحَ ، وَرَجُلٌ نَكَدٌ شُومٌ ، وَقَوْمٌ أَنْكَادٌ وَمَنَاكِيدُ . وَأَمَّا قَوْلُ
كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ بَانَتْ سُعَادُ : قَامَتْ فَجَاوَبَهَا نُكْدٌ مَثَاكِيلُ ، فَالْمُرَادُ بِالنَّكَدِ فِي كَلَامِهِ اللَّاتِي لَا يَعِيشُ لَهُنَّ وَلَدٌ ، الْوَاحِدَةُ نُكْدَى كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ
ابْنُ هِشَامٍ .
رَوَى
التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=10382أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31711لَا يَصْلُحُ الْكَذِبُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ : الرَّجُلُ يَكْذِبُ فِي الْحَرْبِ وَالْحَرْبُ خُدْعَةٌ ، وَالرَّجُلُ يَكْذِبُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمَا ، وَالرَّجُلُ يَكْذِبُ لِلْمَرْأَةِ لِيُرْضِيَهَا بِذَاكَ } قَالَ
الْإِمَامُ بْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى : وَيَحْرُمُ
nindex.php?page=treesubj&link=18981_18982الْكَذِبُ لِغَيْرِ إصْلَاحٍ وَحَرْبٍ وَزَوْجَةٍ وَقَالَ
ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَضَابِطُهُ أَنَّ كُلَّ مَقْصُودٍ مَحْمُودٍ لَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَيْهِ إلَّا بِالْكَذِبِ فَهُوَ مُبَاحٌ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَقْصُودُ مُبَاحًا ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَهُوَ وَاجِبٌ .
قَالَ
ابْنُ مُفْلِحٍ : وَهُوَ مُرَادُ الْأَصْحَابِ . وَمُرَادُهُمْ هُنَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْكَذِبُ إذَا كَانَ فِيهِ عِصْمَةُ مُسْلِمٍ مِنْ الْقَتْلِ . وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11851أَبِي الْخَطَّابِ يَحْرُمُ أَيْضًا لَكِنْ يَسْلُكُ أَدْنَى الْمَفْسَدَتَيْنِ لِدَفْعِ أَعْلَاهُمَا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13371ابْنُ عَقِيلٍ : هُوَ حَسَنٌ حَيْثُ جَازَ لَا إثْمَ لِي فِيهِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ .
وَقَالَ
الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ : يَجُوزُ كَذِبُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ ضَرَرَ ذَلِكَ الْغَيْرِ إذَا كَانَ يَتَوَصَّلُ بِالْكَذِبِ إلَى حَقِّهِ ، كَمَا كَذَبَ
الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى أَخَذَ مَالَهُ مِنْ
مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةً لَحِقَتْ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ ذَلِكَ الْكَذِبِ ، وَأَمَّا مَا
[ ص: 136 ] نَالَ مَنْ
بِمَكَّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْأَذَى وَالْحُزْنِ فَمَفْسَدَةٌ يَسِيرَةٌ فِي جَنْبِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي حَصَلَتْ بِالْكَذِبِ ، لَا سِيَّمَا تَكْمِيلُ الْفَرَحِ وَزِيَادَةُ الْإِيمَانِ الَّذِي حَصَلَ بِالْخَبَرِ الصَّادِقِ بَعْدَ هَذَا الْكَذِبِ ، وَكَانَ الْكَذِبُ سَبَبًا فِي حُصُولِ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ .
قَالَ وَنَظِيرُ هَذَا الْإِمَامُ وَالْحَاكِمُ يُوهِمُ الْخَصْمَ خِلَافَ الْحَقِّ لِيَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى اسْتِعْمَالِ الْحَقِّ .
كَمَا أَوْهَمَ
سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَامُ إحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ بِشَقِّ الْوَلَدِ نِصْفَيْنِ حَتَّى يَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى مَعْرِفَةِ عَيْنِ أُمِّهِ . انْتَهَى . وَقِصَّةُ
الْحَجَّاجِ بْنِ عِلَاطٍ كَمَا ذَكَرَهَا
الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ فِي الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ
وَابْنُ هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ وَأَهْلِ السَّيْرِ وَالْمَغَازِي وَذَكَرْتهَا فِي كِتَابِي تَحْبِيرِ الْوَفَا فِي سِيرَةِ الْمُصْطَفَى ، قَالَ فِي الْهَدْيِ : وَكَانَ
الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ السُّلَمِيُّ قَدْ أَسْلَمَ وَشَهِدَ فَتْحَ
خَيْبَرَ وَكَانَتْ تَحْتَهُ
شَيْبَةُ أُخْتُ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ قَصِيٍّ .
أَيْ وَهُوَ
أَبُو نَصْرٍ الَّذِي نَفَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا سَمِعَ
أُمَّ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ الثَّقَفِيِّ تَقُولُ الْأَبْيَاتَ الَّتِي مِنْهَا :
هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إلَى خَمْرٍ فَأَشْرَبُهَا
أَمْ مِنْ سَبِيلٍ إلَى نَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16561عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمًا
nindex.php?page=showalam&ids=14078لِلْحَجَّاجِ : يَا ابْنَ الْمُتَحَبِّبَةِ ، يُعَيِّرُهُ بِذَلِكَ ، قَالَ فِي الْهَدْيِ : وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=14078الْحَجَّاجُ مُكْثِرًا مِنْ الْمَالِ فَكَانَتْ لَهُ مَعَادِنُ أَرْضِ
بَنِي سُلَيْمٍ ، {
فَلَمَّا ظَهَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَيْبَرَ قَالَ الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ إنَّ لِي ذَهَبًا عِنْدَ امْرَأَتِي ، وَإِنْ تَعْلَمْ هِيَ وَأَهْلُهَا بِإِسْلَامِي فَلَا مَالَ لِي ، فَأْذَنْ لِي فَلْأُسْرِعْ السَّيْرَ وَأَسْبِقُ الْخَبَرَ ، وَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بُدَّ لِي أَنْ أَقُولَ ، أَيْ أَذْكُرَ مَا هُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ ، فَأَذِنَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ قُلْ قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=14078الْحَجَّاجُ فَخَرَجْت حَتَّى انْتَهَيْت إلَى الْحَرَمِ فَإِذَا رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَسْمَعُونَ الْأَخْبَارَ ، قَالُوا nindex.php?page=showalam&ids=14078حَجَّاجٌ وَاَللَّهِ عِنْدَهُ الْخَبَرُ ، وَلَمْ يَكُونُوا عَلِمُوا ، فَقَالُوا يَا nindex.php?page=showalam&ids=14078حَجَّاجُ إنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ الْقَاطِعَ يَعْنُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَارَ إلَى خَيْبَرَ ، فَقُلْت عِنْدِي مِنْ الْخَبَرِ مَا يَسُرُّكُمْ ، فَاجْتَمِعُوا عَلَيَّ يَقُولُونَ إيهِ يَا nindex.php?page=showalam&ids=14078حَجَّاجُ ؟ فَقُلْت لَمْ يَلْقَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ قَوْمًا يُحْسِنُونَ الْقِتَالَ غَيْرَ أَهْلِ خَيْبَرَ فَهُزِمَ هَزِيمَةً لَمْ يُسْمَعْ مِثْلُهَا قَطُّ ، وَقُتِلَ أَصْحَابُهُ قَتْلًا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ قَطُّ ، وَأُسِرَ مُحَمَّدٌ ، وَقَالُوا لَا نَقْتُلُهُ حَتَّى نَبْعَثَ بِهِ إلَى مَكَّةَ فَيَقْتُلُوهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ [ ص: 137 ] فَصَاحُوا وَقَالُوا لِأَهْلِ مَكَّةَ قَدْ جَاءَكُمْ الْخَبَرُ ، هَذَا مُحَمَّدٌ إنَّمَا تَنْتَظِرُونَ أَنْ يَقْدَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ فَيُقْتَلُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=14078حَجَّاجٌ وَقُلْت لَهُمْ أَعِينُونِي عَلَى غُرَمَائِي ، فَجَمَعُوا لَهُ مَالَهُ بِأَحْسَنِ مَا يَكُونُ . قَالَ فِي الْهَدْيِ : فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَخْفِي عَلَيَّ وَاجْمَعِي مَا كَانَ لِي عِنْدَك مِنْ مَالِي فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ مِنْ غَنَائِمِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ فَإِنَّهُمْ قَدْ اُسْتُبِيحُوا وَأُصِيبَتْ أَمْوَالُهُمْ ، وَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ أُسِرَ وَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ ، وَإِنَّ الْيَهُودَ قَدْ أَقْسَمُوا لَنَبْعَثَنَّ بِهِ إلَى مَكَّةَ ثُمَّ لَنَقْتُلَنَّهُ بِقَتْلَاهُمْ بِالْمَدِينَةِ يَعْنِي بَنِي قُرَيْظَةَ . وَفَشَا ذَلِكَ فِي مَكَّةَ وَاشْتَدَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَبَلَغَ مِنْهُمْ ، وَأَظْهَرَ الْمُشْرِكُونَ الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ ، وَبَلَغَ nindex.php?page=showalam&ids=18الْعَبَّاسَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَلَبَةُ النَّاسِ وَإِظْهَارُهُمْ السُّرُورَ . فَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ وَيَخْرُج فَانْخَزَلَ ظَهْرُهُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ فَدَعَا ابْنًا لَهُ يُقَالُ لَهُ قُثَمُ وَكَانَ يُشْبِهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَرْتَجِزُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ لِئَلَّا يَشْمَتَ بِهِ أَعْدَاءُ اللَّهِ :
قُثَمُ شَبِيهُ ذِي الْأَنْفِ الْأَشَمِّ فَمَتَى ذِي النِّعَمِ يُرْغِمُ مَنْ رَغَمَ
وَحُشِرَ إلَى بَابِ دَارِهِ رِجَالٌ كَثِيرُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ مِنْهُمْ الْمُظْهِرُ لِلْفَرَحِ وَالسُّرُورِ ، وَمِنْهُمْ الشَّامِتُ وَالْمُعَزِّي ، وَمِنْهُمْ مَنْ بِهِ مِثْلُ الْمَوْتِ مِنْ الْحُزْنِ وَالْبَلَاءِ . فَلَمَّا سَمِعَ الْمُسْلِمُونَ رَجَزَ nindex.php?page=showalam&ids=18الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتَجَلُّدَهُ طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ ، وَظَنَّ الْمُشْرِكُونَ أَنْ قَدْ أَتَاهُ مَا لَمْ يَأْتِهِمْ ثُمَّ أَرْسَلَ nindex.php?page=showalam&ids=18الْعَبَّاسُ غُلَامًا لَهُ إلَى nindex.php?page=showalam&ids=14078الْحَجَّاجِ وَقَالَ لَهُ اُخْلُ بِهِ وَقُلْ لَهُ وَيْلَك مَا جِئْت بِهِ وَمَا تَقُولُ ، فَاَلَّذِي وَعَدَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا جِئْت بِهِ ، فَلَمَّا كَلَّمَهُ الْغُلَامُ قَالَ لَهُ أَقْرِئْ أَبَا الْفَضْلِ مِنِّي السَّلَامَ وَقُلْ لَهُ لِيُخِلَّ بِي فِي بَعْضِ بُيُوتِهِ حَتَّى آتِيَهُ ، فَإِنَّ الْخَبَرَ عَلَى مَا يَسُرُّهُ . فَلَمَّا بَلَغَ الْعَبْدُ بَابَ الدَّارِ فَقَالَ أَبْشِرْ أَبَا الْفَضْلِ ، فَوَثَبَ nindex.php?page=showalam&ids=18الْعَبَّاسُ فَرَحًا كَأَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ بَلَاءٌ قَطُّ حِينَ جَاءَهُ . فَأَتَى الْغُلَامُ وَقَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ nindex.php?page=showalam&ids=14078الْحَجَّاجِ فَأَعْتَقَهُ } .
وَفِي سِيرَةِ الشَّامِيِّ أَنَّهُ اعْتَنَقَهُ وَأَعْتَقَهُ . فَلَمَّا أَخْبَرَهُ بِاَلَّذِي قَالَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=18الْعَبَّاسُ لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ عَشْرِ رِقَابٍ وَأَنَّ الْغُلَامَ اسْمُهُ
أَبُو زَبِيبَةَ .
قَالَ وَلَمْ أَرَ لَهُ ذِكْرًا فِي الْإِصَابَةِ . انْتَهَى . قَالَ فِي الْهَدْيِ : قَالَ أَخْبِرْنِي ، قَالَ يَقُولُ لَك
nindex.php?page=showalam&ids=14078الْحَجَّاجُ اُخْلُ بِهِ فِي بَعْضِ بُيُوتِك حَتَّى يَأْتِيَكُمْ ظُهْرًا ، فَلَمَّا جَاءَ
nindex.php?page=showalam&ids=14078الْحَجَّاجُ وَاخْتَلَى بِهِ أَخَذَ عَلَيْهِ لَتَكْتُمَنَّ
[ ص: 138 ] خَبَرِي . وَفِي سِيرَةِ الشَّامِيِّ فَنَاشَدَهُ اللَّهَ لِتَكْتُمَ عَنِّي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَيُقَالُ يَوْمًا وَلَيْلَةً ، فَوَاثَقَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=18الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى ذَلِكَ . فَقَالَ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14078الْحَجَّاجُ قَدْ افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خَيْبَرَ وَغَنَم أَمْوَالَهُمْ وَجَرَتْ فِيهَا سِهَامُ اللَّهِ ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اصْطَفَى
nindex.php?page=showalam&ids=199صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ لِنَفْسِهِ وَأَعْرَسَ بِهَا ، وَلَقَدْ أَسْلَمْت وَلَكِنْ جِئْت لِمَالِي أَرَدْت أَنْ أَجْمَعَهُ وَأَذْهَبُ بِهِ ، وَإِنِّي اسْتَأْذَنْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُولَ فَأَذِنَ لِي ، فَأَخِفَّ عَلَيَّ ثَلَاثًا ثُمَّ اُذْكُرْ مَا شِئْت .
قَالَ فَجَمَعْت لَهُ امْرَأَتُهُ مَتَاعَهُ ثُمَّ انْشَمَرَ رَاجِعًا ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثٍ أَتَى
nindex.php?page=showalam&ids=18الْعَبَّاسُ امْرَأَةَ
nindex.php?page=showalam&ids=14078الْحَجَّاجِ فَقَالَ مَا فَعَلَ زَوْجُك ؟ قَالَتْ ذَهَبَ ، وَقَالَتْ لَا يُحْزِنُك اللَّهُ يَا
أَبَا الْفَضْلِ لَقَدْ شَقَّ عَلَيْنَا الَّذِي بَلَغَك ، فَقَالَ أَجَلٌ لَا يُحْزِنُنِي اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ بِحَمْدِ اللَّهِ إلَّا مَا أُحِبُّ ، فَتَحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى رَسُولِهِ
خَيْبَرَ وَجَرَتْ فِيهَا سِهَامُ اللَّهِ ، وَاصْطَفَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
صَفِيَّةَ لِنَفْسِهِ ، وَإِنْ كَانَ لَك فِي زَوْجِك حَاجَةٌ فَالْحَقِي بِهِ . قَالَتْ : أَظُنُّك وَاَللَّهِ صَادِقًا . قَالَ فَإِنِّي وَاَللَّهِ صَادِقُ وَالْأَمْرُ عَلَى مَا أَقُولُ . قَالَتْ فَمَنْ أَخْبَرَك بِهَذَا ؟ قَالَ الَّذِي أَخْبَرَك بِمَا أَخْبَرَك ثُمَّ ذَهَبَ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ : فَلَبِسَ حُلَّةً لَهُ وَتَخَلَّقْ أَيْ تَطَيَّبَ وَأَخَذَ عَصَاهُ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى
الْكَعْبَةَ فَطَافَ ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا يَا
أَبَا الْفَضْلِ هَذَا وَاَللَّهِ التَّجَلُّدُ لِحَرِّ الْمُصِيبَةِ . قَالَ كَلًّا وَاَلَّذِي حَلَفْتُمْ بِهِ ، لَقَدْ افْتَتَحَ
مُحَمَّدٌ خَيْبَرَ وَتَرَكَ عَرُوسًا عَلَى بِنْتِ مُلْكِهِمْ ، يَعْنِي
nindex.php?page=showalam&ids=199صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ ، وَأَحْرَزَ أَمْوَالَهُمْ وَمَا فِيهَا فَأَصْبَحَتْ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ . قَالُوا مَنْ جَاءَك بِهَذَا الْخَبَرِ ؟ قَالَ الَّذِي جَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ ، وَلَقَدْ دَخَلَ عَلَيْكُمْ مُسْلِمًا فَأَخَذَ مَالَهُ وَانْطَلَقَ لِيَلْحَقَ
بِمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابه فَيَكُون مَعَهُ . قَالُوا يَا لِعِبَادِ اللَّهِ انْفَلَتَ عَدُوُّ اللَّهِ ، أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ عَلِمْنَا لَكَانَ لَنَا وَلَهُ شَأْن . قَالَ فِي الْهَدْيِ : وَلَقَدْ سَأَلَنِي أَنْ أَكْتُمَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا لِحَاجَةٍ .
قَالَ فَرَدَّ اللَّهُ تَعَالَى مَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ كَآبَةٍ وَجَزَعٍ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ، وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ مَوَاضِعِهِمْ حَتَّى دَخَلُوا عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=18الْعَبَّاسِ فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَرَ فَأَشْرَقَتْ وُجُوهُ الْمُسْلِمِينَ . انْتَهَى .
وَقَوْلُهُ كَمَا أَوْهَمَ
سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَامُ إحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ . هَذِهِ الْقِصَّةُ ذَكَرَهَا
الْإِمَامُ بْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ ، وَهِيَ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ
[ ص: 139 ] ارْتَفَعَتَا إلَى نَبِيِّ اللَّهِ
دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَامُ ادَّعَتَا وَلَدًا مَعَهُمَا ، فَحَكَمَ بِهِ
دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلْكُبْرَى ، فَقَالَ
سُلَيْمَانُ ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا ، فَسَمَحَتْ الْكُبْرَى بِذَلِكَ ، وَقَالَتْ الصُّغْرَى لَا تَفْعَلْ رَحِمَك اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا ، فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى .
قَالَ فِي الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ : فَأَيُّ شَيْءٍ أَحْسَنُ مِنْ اعْتِبَارِ هَذِهِ الْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ ، فَاسْتَدَلَّ بِرِضَى الْكُبْرَى بِذَلِكَ وَأَنَّهَا قَصَدَتْ الِاسْتِرْوَاحَ إلَى التَّأَسِّي بِمُسَاوَاةِ الصُّغْرَى فِي فَقْدِ وَلَدِهَا ، وَشَفَقَةُ الصُّغْرَى عَلَيْهِ وَامْتِنَاعُهَا مِنْ الرِّضَا بِذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا هِيَ أُمُّهُ . وَأَنَّ الْحَامِلَ لَهَا عَلَى الِامْتِنَاعِ هُوَ مَا قَامَ بِقَلْبِهَا مِنْ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ الَّتِي وَضَعَهَا اللَّهُ فِي قَلْبِ الْأُمِّ . انْتَهَى .