الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
ثم أخذ الناظم رحمه الله تعالى ورضي عنه يتكلم على مقاصده فقال : ألا كل من رام السلامة فليصن جوارحه عن ما نهى الله يهتدي ( ألا ) حرف استفتاح ويأتي على خمسة أوجه : للتنبيه كقوله تعالى { ألا إنهم هم السفهاء } وتفيد التحقيق لتركبها من الهمزة ولا .

وهمزة الاستفهام إذا دخلت على النفي أفادت التحقيق ، وتأتي للتوبيخ والإنكار كقول الشاعر :

    ألا ارعواء لمن ولت شبيبته
وآذنت بمشيب بعده هرم

وللاستفهام عن النفي كقول الشاعر :

ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد     إذا ألاقي الذي لاقاه أمثالي

وللعرض والتحضيض وتقدم معناهما ، ومعناهما هنا التحقيق ( كل من ) أي إنسان ( رام ) قصد وطلب ( السلامة ) أي البراءة من العيوب كما في القاموس وهي من الكلمات الجوامع ، فإن من سلم نجا ، فهي قريبة من العافية .

ولذا يكون كلام الرسل عند مرور الناس على الصراط اللهم سلم سلم . وما أحسن قول من قال :

وقائلة مالي أراك مجانبا     أمورا وفيها للتجارة مربح
فقلت لها كفي ملامك واسمعي     فنحن أناس بالسلامة نفرح

( فليصن ) أي فليحفظ ، يقال صنته أي حفظته في صوانة صونا وصيانا وصيانة فهو مصون ، والصوان بضم الصاد وكسرها ، والصيانة بالكسر مع الياء لغة هو ما يصان فيه الشيء كما في لغة الإقناع لمؤلفه رحمه الله تعالى ( جوارحه ) جمع جارحة سميت بذلك لأنها تكتسب وتتصرف ( عن ما ) أي عن الأشياء التي ( نهى الله ) سبحانه وتعالى عنها نهيا مؤكدا جازما مقتضيا للوعيد على الفعل ، فإنه يكون للتحريم كقوله جل شأنه : { لا تأكلوا الربا } و { لا تقربوا الزنا } وإن كان النهي ليس معه جزم فنهي كراهة كقوله صلى الله عليه وسلم { إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبك بين أصابعه فإنه في صلاة } رواه الترمذي وابن ماجه .

وصون [ ص: 60 ] الإنسان جوارحه وقلبه عن الأول واجب وعن الثاني مستحب كما يأتي . فمن صانها عن الأشياء المنهي عنها فإنه يهتدي للصراط المستقيم والطريق السالك القويم الهداية التامة ، ويفوز بالنجاة والدرجات العلى يوم القيامة ، ويسلم من القيود والأغلال ، ويكون له في ميدان الصالحين مجال . ومفهوم نظامه أن من لم يصن جوارحه عن ما نهى الله عنه من المحظورات يكون عن السلامة بمعزل ، لأنه لم يتق الله ولم يراقبه فيم نهى وأمر .

وقد أوصى الله بتقواه ، فالتقوى وصية الله للأولين والآخرين ، قال تعالى { ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله } وقال تعالى { اتقوا الله حق تقاته } قال ابن مسعود : يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر ، وخرجه الحاكم مرفوعا . قال ابن رجب : والموقوف أصح

. قال الحافظ ابن رجب : وشكره يدخل فيه جميع فعل الطاعات . ومعنى ذكره فلا ينسى ذكر العبد بقلبه لأوامر الله في حركاته وسكناته وكلماته فيمتثلها ، ولنواهيه في ذلك كله فيجتنبها .

التالي السابق


الخدمات العلمية