الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 61 ]

                ويا ذا القدرة القديمة الباهرة ، والقوة العظيمة القاهرة ، ويا سلطان الدنيا والآخرة ، وجامع الإنس والجان .

                التالي السابق


                قوله : " ويا ذا القدرة القديمة الباهرة ، والقوة العظيمة القاهرة ، ويا سلطان الدنيا والآخرة ، وجامع الإنس والجان " .

                لما كان المرغوب فيه إلى الله سبحانه وتعالى هاهنا هو التوفيق والتسديد للتحقيق ، والعصمة من الزلل ، والحراسة من الخلل ، ناسب أن يوصف الله سبحانه وتعالى ، ويثنى عليه بالقدرة ، والقوة والسلطنة العامة ، التي يتحقق بها المرغوب المذكور .

                والقدرة : صفة قائمة بالذات يتحقق بها اختراع الموجودات ، والقديمة : التي لا مبدأ لها في الزمان ، بل قارن وجودها وجود الذات ، والباهرة : الغالبة ، أي : غلبت قدرته سبحانه وتعالى كل مقدور حتى انقاد لها وهو ذليل مقهور ، يقال : بهر القمر : إذا أضاء وغلب ضوؤه ضوء الكواكب ، وبهر فلان فلانا : إذا غلبه ، وبهرت فلانة النساء : غلبتهن حسنا ، وبهره الحمل : غلبه حتى تتابع نفسه ، وهو اللهث .

                والقوة : صفة أثبتها الله سبحانه وتعالى لنفسه بقوله : إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين [ الذاريات : 58 ] وكان الله قويا عزيزا [ الأحزاب : 25 ] .

                وهي في التحقيق والأمر العام : معنى يتحقق به قهر الأضداد ، وفعل ما يستصعب في عرف المخلوقين ، يقال : فلان قوي على قمع عدوه ، وعلى رفع الحمل الثقيل ، وحكى الله سبحانه وتعالى عن أصحاب بلقيس أنهم قالوا : نحن أولو قوة وأولو بأس [ ص: 62 ] شديد [ النمل : 33 ] ، والله سبحانه وتعالى لا يغالبه عدو أو مضاد إلا قهره وقمعه ، ولا يريد فعل شيء - وإن استصعبه المخلوقون - إلا هان عليه ، وكيف لا يهون وهو إذا أراد شيئا قال له : كن فيكون ، غير أن قوة الله سبحانه وتعالى وتأثيرها ليست كقوة المخلوقين وتأثيرها ، لأن المخلوق إنما تؤثر قوته بواسطة العلاج ، والله سبحانه وتعالى منزه عن العلاج والمزاج ، كما قال ذو النون المصري : موجود بلا مزاج ، فعال بلا علاج .

                والسلطان : الوالي ، وجمعه : سلاطين ، وهو فعلان من السلاطة ، وهي القهر ، وقد سلطه الله فتسلط .






                الخدمات العلمية