الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 396 ]

                ورد ، بأن منع التصرف في ملك الغير ثبت بالشرع ، والكلام قبله ، ثم المنع بالنسبة إلى من يتضرر به ، والاحتياط معارض بأن الممتنع على سماط الملك يعد مبخلا له ، مفتاتا متكبرا عليه ، فالإقدام أحوط ، أو مساو ، فلا ترجيح .

                التالي السابق


                قوله : " ورد " ، يعني : احتجاج الحاظر بما ذكره .

                أما الحجة الأولى : فهي مبنية على قياس الغائب على الشاهد ، أي : قياس أحكام الله سبحانه وتعالى على أحكام الخلق فيما بينهم ، وهو قياس فاسد ، لأن منع التصرف في ملك الغير بغير إذنه فيما بين الخلق حكم شرعي إنما ثبت بالشرع ، والكلام فيما قبل الشرع ، وشرط صحة القياس اتحاد باب المقيس والمقيس عليه ، فإن ادعيتم أن منع التصرف فيما بين الخلق عقلي منعناه ، إذ لا مدرك للأحكام عندنا إلا الشرع ، والعقل عن ذلك بمعزل ، وإن سلمتم أنه شرعي امتنع القياس ، لأن ما قبل الشرع عقلي عندكم ، وما بعده شرعي ، فاختلف البابان ، فلا يصح القياس ، لأنه إنما يقاس مثلا عقلي على عقلي ، أو شرعي على شرعي ، أو عادي على عادي ، أما قياس بعض هذه الأنواع على بعض فلا يصح .

                قوله : " ثم المنع بالنسبة إلى من يتضرر به " هذا جواب آخر عن الحجة المذكورة بالفرق .

                وتقريره : أن المنع من التصرف في ملك الغير إنما يناسب ويتحقق مقتضيه إذا كان ذلك الغير يتضرر به ، وهذا المعنى إنما يتحقق في الشاهد دون الغائب ، فإن [ ص: 397 ] الله سبحانه وتعالى لا يتضرر باستهلاك شيء من مخلوقاته ، وحينئذ ينقطع الإلحاق ويمتنع القياس .

                وأما الحجة الثانية للحاظر ، فالاحتياط فيها معارض بما يبطل دلالته ، وهو أن ملكا من الملوك لو مد سماطا ، ودعا إليه الناس ، فامتنع بعضهم من الأكل مع قدرته عليه طبعا ، عد ذلك الممتنع في العادة مبخلا للملك ، أي : معتقدا بخله مفتاتا متكبرا عليه أن يثبت له على نفسه منة ويدا عليا ، وذلك أيضا خطر ، إذ فاعله يستحق العقاب والإهانة عقلا وعرفا ، والله سبحانه وتعالى مع خلقه ، كملك دعا الناس إلى سماطه ، فيكون الإقدام على الانتفاع أحوط من الإمساك عنه ، أو مساويا له ، وحينئذ لا ترجيح للحظر ، والحاظر في مقام ترجيحه محاولا له ، فإذا لم يتم له رجحانه ، بطل احتجاجه .




                الخدمات العلمية