الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 290 ] 18 - باب صلاة الاستسقاء ركعتين

                                980 1026 - حدثنا قتيبة، نا سفيان، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عباد بن تميم، عن عمه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استسقى، فصلى ركعتين، وقلب رداءه.

                                التالي السابق


                                في الحديث دليل على الصلاة للاستسقاء، وقد تقدم - أيضا- في حديث عائشة وابن عباس .

                                وجمهور العلماء على أنه تشرع صلاة الاستسقاء.

                                وخالف فيه طائفة من علماء أهل الكوفة ، منهم: النخعي ، وهو قول أبي حنيفة ، وقالوا: إنما يستحب في الاستسقاء الدعاء والاستغفار خاصة.

                                وهؤلاء لم تبلغهم سنة الصلاة، كما بلغ جمهور العلماء.

                                وفيه دليل على أن صلاة الاستسقاء ركعتان، وهذا لا اختلاف فيه بين من يقول: إنه يشرع للاستسقاء صلاة.

                                ولكن اختلفوا: هل تصلى بتكبير كتكبير صلاة العيد، أم بغير تكبير كسائر الصلوات، فتستفتح بتكبيرة الإحرام، ثم يقرأ بعدها؟ على قولين:

                                أحدهما: أنها تصلى كما تصلى العيد بتكبير قبل القراءة، وقد روي عن ابن عباس ، وعن ابن المسيب وعمر بن عبد العزيز وأبي بكر بن حزم ، وهو قول الشافعي وأحمد - في ظاهر مذهبه- وأبي يوسف ومحمد .

                                والثاني: تصلى بغير تكبير زائد، وهو قول مالك والثوري والأوزاعي وأحمد - في رواية- وإسحاق وأبي ثور وأبي خيثمة وسليمان بن داود الهاشمي .

                                [ ص: 291 ] قال أبو إسحاق البرمكي من أصحابنا: يحتمل أن هذه الرواية عن أحمد قول قديم رجع عنه.

                                وحكي عن داود : إن شاء صلى بتكبير زائد، وإن شاء صلى بتكبيرة الإحرام فقط.

                                واستدل من قال: يصلي بتكبير بظاهر حديث ابن عباس : " وصلى ركعتين كما يصلي في العيد "، وقد سبق ذكره.

                                وقد روي عنه صريحا بذكر التكبير، لكن إسناده ضعيف.

                                خرجه الدارقطني والحاكم في " المستدرك" - وصححه - والبزار في " مسنده" وغيرهم، من رواية محمد بن عبد العزيز الزهري ، عن أبيه، عن طلحة بن عبد الله بن عوف ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى في الاستسقاء، كبر في الأولى سبع تكبيرات، وقرأ سبح اسم ربك الأعلى وقرأ في الثانية هل أتاك حديث الغاشية وكبر فيها خمس تكبيرات .

                                ومحمد بن عبد العزيز الزهري هذا متروك الحديث لا يحتج بما يرويه.

                                وروى يزيد بن عياض ، حدثني أبو بكر بن عمرو بن حزم وابناه - عبد الله ومحمد- ويزيد بن عبد الله بن أسامة وابن شهاب ، كلهم يحدثه عن عبد الله بن يزيد ، قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم- استسقى، فذكر الحديث، قال: ثم صلى ركعتين يجهر فيهما بالقراءة، فكبر في الركعة الأولى سبعا، وفي الآخرة خمسا، يبدأ بالتكبير قبل القراءة في الركعتين كليهما .

                                ويزيد بن عياض جعدبة المدني ، متروك الحديث، لا يحتج به.

                                وقد روي خلاف هذا، من رواية عبد الله بن حسين بن عطاء ، عن شريك بن أبي نمر ، عن أنس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى في الاستسقاء، في كل ركعة [ ص: 292 ] تكبيرة، وخطب قبل الصلاة، وقلب رداءه لما دعا .

                                خرجه أبو القاسم البغوي .

                                وخرجه الترمذي في " كتاب العلل" مختصرا، وقال: سألت البخاري عنه، فقال: هذا خطأ، وعبد الله بن حسين منكر الحديث; روى مالك وغيره، عن شريك ، عن أنس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم- استسقى، ليس فيه هذا.

                                يشير البخاري إلى حديث الاستسقاء في الجمعة، وهذا المتن غير ذلك المتن; فإن هذا فيه ذكر صلاة الاستسقاء والخطبة لها وقلب الرداء في الدعاء، لكنه غير محفوظ عن شريك ، عن أنس .

                                ووقت صلاة الاستسقاء وقت صلاة العيد، وقد تقدم حديث عائشة في خروج النبي - صلى الله عليه وسلم- لها حين بدا حاجب الشمس، وأنه قعد على المنبر ودعا، ثم صلى بعد ذلك.

                                وذكر ابن عبد البر أن الخروج لها في أول النهار عند جماعة العلماء، إلا أبا بكر بن حزم ; فإنه قال: الخروج إليها عند زوال الشمس.

                                وكأنه ألحقها بالجمعة.

                                ولا يفوت وقتها بفوات وقت العيد، بل تصلى في جميع النهار.

                                قال بعض أصحابنا: إلا أنه لا تصلى في أوقات النهي بغير خلاف؛ إذ لا حاجة إلى ذلك، ووقتها متسع.

                                ومن أصحابنا من حكى وجها آخر بجواز صلاتها في وقت النهي، إذا جوزنا فعل ذوات الأسباب فيه، وهو ضعيف.

                                [ ص: 293 ] وكذا قال الشافعي في " الأم"، قال: إذا لم يصل للاستسقاء قبل الزوال يصليها بعد الظهر وقبل العصر.

                                ومراده: أنه لا يصلى بعد العصر في وقت النهي.

                                ولأصحابه في ذلك وجهان.

                                ومن أصحابه من قال: وقتها وقت صلاة العيد.

                                ومنهم من قال: أول وقتها وقت العيد، ويمتد إلى أن يصلى العصر.

                                وهذا موافق لنص الشافعي كما تقدم.

                                ومنهم من قال: الصحيح أنها لا تختص بوقت، بل يجوز وتصح في كل وقت من ليل ونهار، إلا أوقات الكراهة - على أصح الوجهين- لأنها لا تختص بيوم ولا تختص بوقت كصلاة الإحرام والاستخارة.

                                وهذا مخالف لنص الشافعي ، ولما علم من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في صلاة الاستسقاء; فإنهم كانوا يخرجون نهارا لا ليلا، وجمع الناس لصلاة الاستسقاء ليلا مما يشق عليهم، وهو سبب لامتناع حضور أكثرهم، فلا يكون ذلك مشروعا بالكلية.

                                وهذا بخلاف صلاة الإحرام والاستخارة، فإنه لا يشرع لهم الاجتماع، فلا يفوت بفعلهما ليلا شيء من مصالحهما.



                                الخدمات العلمية